منذ تولّي دونالد ترامب الرئاسة، درجت عادة استبدال أعضاء الإدارة، حتى بات حصر عدد المستقيلين والمُقالين شبهَ مستحيل من دون الرجوع إلى قائمة الشخصيات. تلك ليست بمشكلة. المشكلة هي أن عملية إعادة تشكيل الإدارة، المتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات، أنتجَت نماذج من أمثال جون بولتون (خَلَفَ هربرت ماكماستر)، ومايك بومبيو (خلف ريكس تيلرسون) وغيرهما الكثير، في انتظار أن ينضمّ إلى هؤلاء آفي بيركوفيتش، أو مبعوث الرئيس الأميركي لـ«السلام» في الشرق الأوسط، خلفاً لجايسون غرينبلات، «مهندس صفقة القرن». وبينما يستعدّ ترامب لاستبدال قانونيٍ «غير مؤهّل»، بآخرَ أقل أهليّة (بيركوفيتش)، تُثار تساؤلات كثيرة في شأن توقيت استقالة غرينبلات، قبل أسابيع فقط من الكشف المتوقع عن الجانب السياسي من الصفقة.على مدى سنتين ونصف سنة، كُلِّف غرينبلات، إلى جانب مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، بوضع «رؤية» ذات جانبين: اقتصادي (كُشف عنه في «ورشة البحرين في أواخر حزيران/ يونيو) وسياسي. رؤيةٌ تهدف في مداها الأبعد إلى تصفية القضية الفلسطينية. ويوم الخميس الماضي، أعلن المبعوث الخاص لـ«السلام» استقالته المفاجئة من منصبه، واصفاً عمله لدى البيت الأبيض بـ«الامتياز». ومن الأسئلة التي أثيرت في شأن الإعلان الآنف: هل بات فريق «السلام» الأميركي الذي يقوده كوشنر مقتنعاً بعدم وجود فرص لنجاح هذه الصفقة؟ الرئيس الأميركي، من جهته، أخذ مسافة من الإعلان، وكتب عبر «تويتر» مودّعاً مستشاره السابق: «بعد نحو ثلاثة أعوام في إدارتي، سيغادر جايسون غرينبلات للانضمام إلى القطاع الخاص. كان جايسون شخصاً وفياً وصديقاً كبيراً ومحامياً رائعاً. لن ننسى إخلاصه لإسرائيل وسعيه إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين».
لا يوجد الكثير من المعلومات حول بيركوفيتش، سوى أنه أحد أصدقاء كوشنر المقربين


هناك فرضية (دقيقة) تقول بأن نهج إدارة ترامب تجاه قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي قائمٌ على أساس تحدّي القواعد والاتفاقات التي وضعتها الإدارات السابقة: من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وخفض المساعدات للسلطة الفلسطينية، وإغلاق مكتب «منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن. كثيراً ما يوصف فريق ترامب لـ«السلام» بأنه يتصرّف كما لو أنه كان جزءاً من فريق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ وغرينبلات ليس إلا في قلب هذه الدينامية. أوضح مثال على ذلك نقدُه المتواصل لكل ما هو فلسطيني. فقد غرّد الشهر الماضي، على سبيل المثال، بعدما قامت الولايات المتحدة بحظر قرار لمجلس الأمن الدولي يدين هدم إسرائيل للمنازل الفلسطينية، قائلاً: «التحيّز الكلاسيكي ضدّ إسرائيل في الأمم المتحدة: أراد أعضاء مجلس الأمن إدانة إسرائيل بسبب هدمها للمباني - التي تعتبرها إسرائيل خطراً أمنياً على مواطنيها - لكنهم لا يستطيعون حتى إدانة حماس...». يجادل آرون ديفيد ميلر، الذي يرى أن غرينبلات كان يعمل «في ظلّ قيود شديدة الخطورة» بالنظر إلى ميول رئيسِه، بأنه كان جزءاً من جهود الإدارة التي سعت إلى تغيير جذري لطريقة تعامل واشنطن مع الصراع. ويقول: «هذا جهد لإعادة صياغة النهج الأميركي في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية... لقد كانوا مهتمّين بخلق أساس جديد لما يعنيه إجراء مفاوضات إسرائيلية فلسطينية».

مستشار المستشار
لم يكد البيت الأبيض يعلن استقالة غرينبلات حتى بدأت التكهنات في شأن تولّي آفي بيركوفيتش (30 عاماً) المنصب، على رغم اكتفاء البيت الأبيض بالإشارة، في بيان الاستقالة، إلى أن بيركوفيتش «سيضطلع بدور أكبر» في فريق «خطة السلام»، إلى جانب الممثّل الخاص لوزارة الخارجية لشؤون إيران براين هوك. ولا يقلّ خبر انضمام هوك إلى فريق «السلام» إثارةً، إذ يشير إلى أن إدارة ترامب ترى في احتواء إيران، وإقامة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية الأخرى، قطعة واحدة، بحسب وصف «جيروزاليم بوست». لكن ترقية بيركوفيتش تروي قصة «ترامبية» أكثر واقعية: ترقية المقرّبين من العائلة.
لا يوجد الكثير من المعلومات حول بيركوفيتش، سوى أنه أحد أصدقاء كوشنر المقربين. إنه مهرجان حب متبادل. قبل عام، قام ترامب بترقية بيركوفيتش من مساعد كبير المستشارين (كوشنر)، إلى نائب مساعد الرئيس و«مستشار كبير المستشارين»، أو مستشار المستشار. القفزة من «المساعد» إلى «المستشار» تعتبر غاية في الأهمية. فهو قطع شوطاً طويلاً من الردّ على الهاتف و«تقديم الدعم اللوجستي يومياً مثل إحضار القهوة وترتيب المواعيد»، إلى تشكيل السياسات. يتميّز الشاب الذي تخرّج في كلية الحقوق في هارفرد بكونه من نفس قماشة كوشنر وغرينبلات وفريدمان الدينية والأيديولوجية. جميعهم نشأوا في منازل يهودية أرثوذوكسية، وجميعهم من نيويورك، وجميعهم يتمتّعون بعلاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها الدينية.
انضمّ بيركوفيتش، صديق كوشنر منذ 2011، إلى فريق حملة ترامب الانتخابية عام 2016، مباشرة بعد تخرّجه من هارفرد. كنائبٍ لمساعد الرئيس، شارك في اجتماعات ومشاورات البيت الأبيض حول سياسات المنطقة، بما في ذلك قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. كما حرص كوشنر على اصطحابه خلال جولته التي شملت سلطنة عمان والبحرين وقطر والإمارات وتركيا والسعودية في شباط/ فبراير، تحضيراً لـ«ورشة المنامة» الاقتصادية. ومع هذا، ظلّ بعيداً من الأضواء. لكن قلّة خبرته في السياسة دفعت ببعض المدافعين عن غرينبلات، أمثال مارتن إنديك، إلى التشكيك في قدرته على «ملء الفراغ». وعلى رغم أن غرينبلات نفسه لم تكن له أيّ خبرة تذكر في مجال السياسة الخارجية، فإن إنديك رأى أن استبداله بهذا الشاب سيكون بمثابة «خفض في منزلة المنصب... إنه رجل لطيف، لكنه لا يتمتع بثقل أو خبرة غرينبلات». تعيين بيركوفيتش أثار كذلك غضب آرون ديفيد ميلر الذي قال في حديث إلى صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»: «لديك مهندس لما يسمى "الصفقة النهائية"، الرجل الذي أنجز معظم العمل، فجأة يعلنون أنه سيغادر قبل أسابيع من طرح الخطة... أنتَ تسحب عضواً أساسياً، وربما العضو الرئيس على مستوى العمل... هذا يشير إلى غياب الجدية والمصداقية».