انقضت، أمس، خمسة أشهر على إطلاق المشير خليفة حفتر هجومه على طرابلس. واختار المبعوث الدولي إلى ليبيا المناسبة لتقديم إفادة أمام مجلس الأمن، مركزاً على أهمية الحدث الذي قال إنه «تسبّب في توقف العملية السياسية النشطة والواعدة، والعودة بالبلاد إلى حالة النزاع من جديد». وانتهز غسان سلامة الفرصة للإشارة إلى تأثير الحملة العسكرية، حيث عرض أرقام الضحايا المدنيين الذين بلغ عددهم 100 قتيل وأكثر من 300 جريح، إضافة إلى 120 ألف نازح من مناطق جنوب طرابلس. بعد تقديم هذا العرض العام، عاد سلامة إلى آخر الحوادث المأسوية التي تسبّبت بها، أو كادت، قوات خليفة حفتر والطائرات المسيّرة الإماراتية الداعمة لها على امتداد الحرب الأخيرة، على رغم أنه لم يسمّ الإمارات ولا حفتر مباشرة. يوم الأحد الماضي، تعرض مطار معيتيقة الدولي، الوحيد العامل في العاصمة، لقصف بالصواريخ، وقال سلامة إنه «جرى تفادي كارثة كانت على وشك الوقوع... عندما نجت بأعجوبة طائرة مليئة بالحجيج العائدين». تحدث أيضاً عن زيارته إلى منشآت أخرى تعرضت لقصف صاروخي أو من طائرات إماراتية مسيّرة، مثل مطار مدينة زوارة غرب العاصمة، ومركز إيواء المهاجرين في ضاحية تاجوراء (قُتل في العملية أكثر من 40 مهاجراً وجرح آخرون)، ومواقع مدنية أخرى. لكن المجزرة الأبرز للطائرات الإماراتية المسيّرة تسبّب فيها شنّ غارتين على مدينة مرزوق جنوب غرب البلاد، استهدفت أولاهما تجمعاً لمدنيين وعسكريين معارضين لحفتر، فيما طالت الثانية مجموعة من المدنيين هبّت لإنقاذهم، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً أغلبهم مدنيون، وإطلاق أحداث انتقامية داخل المدينة ضدّ أنصار حفتر، تسبّبت في مقتل أكثر من 100 شخص وتهجير الآلاف.
لم يرمِ سلامة مسؤولية تلك الأحداث على حفتر بشكل دقيق، واكتفى بالإشارة إلى دور الأمم المتحدة في تقديم المساعدة للمتضررين، والتحذير من انتشار الاقتتال الأهلي «إلى مدن أخرى كانت مختلف القبائل والأعراق تعيش فيها بسلام حتى فترة غير بعيدة». تجنُّب تصدير إدانات واضحة لحفتر اعتمده المبعوث الدولي حتى في حالة أكثر وضوحاً، وهي استمرار إخفاء النائبة البرلمانية، سهام سرقيوة، التي اختُطفت بعد اقتحام منزلها في بنغازي وتعنيف زوجها وكتابة شعارات على الجدران تحمل اسم ميليشيا «أولياء الدم» التي تتبع قوات حفتر. الحديث السلبي الوحيد الذي أبداه سلامة تجاه محور حفتر كان مُوجّهاً نحو الحكومة التي تسيّر شرق البلاد، حيث أعرب عن «قلق يساوره» تجاه محاولاتها «تأكيد سيطرتها على البلديات المحلية». ويتعلق الأمر بمساعٍ تبذلها تلك الحكومة لـ«إجراء انتخابات بلدية موازية... بما في ذلك البلديات التي تضمّ مجالس بلدية منتخبة أصلاً»، واعتبر أن ذلك يزيد من «تفاقم الصراع والتشظي الحاصل في هيكليات الحكم المحلي».
اعتبر المبعوث الدولي أن انتهاك حظر تصدير الأسلحة صار «أمراً عادياً»


أما في ما يخصّ الحلفاء الإقليميين والدوليين لطرفَي الصراع الليبي، وهم مصر والإمارات والسعودية وفرنسا إلى جانب حفتر، وقطر وتركيا إلى جانب حكومة «الوفاق»، فتجنّب سلامة أيضاً ذكرهم بالاسم، واكتفى بإطلاق تحذيرات. واعتبر المبعوث الدولي أن انتهاك حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا من قِبَل الداعمين الخارجيين صار «أمراً عادياً، وفي أغلب الأحيان صارخاً». وأشار إلى أن فريق الخبراء الذي يراقب الانتهاكات «يحقّق في أكثر من 40 حالة... على الرغم من عدم تعاون معظم الدول الأعضاء». وخلص إلى أن «الحظر لم يكن فعالاً منذ 4 نيسان/ أبريل»، حيث لم تحدث أيّ عمليات حظر أو تفتيش على رغم وجود قرار يجيز ذلك، وحذّر من آثار هذا الأمر في توسيع نطاق الصراع وتصعيده، خاصة مع وجود أخبار عن استقدام آلاف المرتزقة (من السودان وتشاد أساساً).
على صعيد صياغة حلّ للنزاع، أكد سلامة وجود «تأييد شعبي لإنهاء العنف، بما في ذلك من جانب المقاتلين». وعلى رغم تفضيله إيجاد حلّ عبر البناء من تحت، وهو ما كان من المفترض أن يتمّ في «الملتقى الوطني» الذي أحبطه هجوم حفتر، يبدو هذا الخيار مستحيلاً اليوم. الأفق الوحيد الممكن الآن يتمثّل في عقد «ندوة دولية» جديدة تجمع الفاعلين المحليين والخارجيين، وقد عبّر سلامة عن دعمه لهذه الفكرة التي صاغتها الدول السبع الكبرى في اجتماعها الأخير في فرنسا. مع ذلك، يبدو أن سلامة يسعى إلى إضفاء بصمته على هذه الندوة من خلال توسيع قاعدة المشاركين فيها. وخلال زيارة لموسكو في شهر أيار/ مايو، عبّر الرجل عن عدم اقتناعه بحصر التفاوض بين قطبَي شرق البلاد وغربها (خليفة حفتر من جهة، ورئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج من جهة أخرى) لأنهما «لا يمثلان جميع الأطراف الليبيين المعنيين». وقال في المقابل إنه يفضّل «جمع 10 أو 15 أو حتى 20 وجهاً ليبياً يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع»، وذلك حتى «يتمكنوا من بناء ركائز مسار تسوية حقيقي».
يرى سلامة أنه يجب الوصول إلى حلّ في المدى المنظور، وإلا فسيكون البديل سيناريوين كلّ منهما أسوأ من الآخر. السيناريو الأول هو استمرار «النزاع منخفض الشدة» ما يعني «تزايد البؤس بين أوساط المدنيين وتعرض المستضعفين من المهاجرين واللاجئين لمزيد من عمليات النهب والمزيد من التدمير الذي يطال البنية التحتية... وتنامي التهديد الإرهابي». أما السيناريو الثاني، فيتمثل في «مضاعفة الدعم العسكري لهذا الطرف أو ذاك من رعاتهم الخارجيين»، وهو ما سيؤدي إلى توسيع الفوضى لتشمل المنطقة بأسرها.