الخرطوم | لا يزال إعلان التشكيل الحكومي للمرحلة الانتقالية في السودان يمرّ بعثرات من دون الكشف عنها، تسبّب تأجيل الموعد المضروب له. وفيما يرجع المسؤولون التأخير الجديد إلى قضية «الفحص الأمني» للشخصيات التي ستمثل المرحلة المقبلة، تتحدث مصادر عن خلافات حول الشخصيات المرشحة لبعض الوزارات، بين مكونات قوى «إعلان الحرية والتغيير»، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وهي تقريباً حول أربعة مرشحين. كذلك، يصرّ حمدوك على تمسكه بتمثيل الحكومة «كل ولايات البلاد والأجيال التي قامت بالثورة مع مراعاة الجندر»، على أن الأمل قائم بإعلان الحكومة خلال 48 ساعة أخرى.إلى جانب ذلك، جاء حدث آخر زاد في تعقيد الموقف، وهو في مدينة الفاشر، غرب البلاد (802 كلم عن العاصمة)، خلال زيارة لوفد قيادات «الحرية والتغيير». هناك، عبّرت حركات دارفور، بقيادة كلّ من رئيس «حركة جيش تحرير السودان» مني أركو مناوي ورئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم، عن رفضها الوثيقة الدستورية، مُهدّدة بمقاومتها. تقول مصادر إن محاولة الاعتداء على منسوبي «الحرية والتغيير» ورميهم بالحجارة، كان سبباً إضافياً في تأجيل تشكيل الحكومة والبحث عن حلول ترضي الجميع.
وخلال الاجتماع الأخير لحمدوك مع «المجلس السيادي»، شُدِّد على «الإسراع في تشكيل مفوضية السلام لارتباطها بالتفاوض مع الحركات المسلحة، وارتباط قضية السلام بالأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية، والإسراع في تحقيق السلام ومعالجة الأسباب التي دعت إلى تذمر الحركات المسلحة». ويشار إلى أنّ رئيس «حزب المؤتمر»، القيادي في «الحرية والتغيير» عمر الدقير، سافر إلى عاصمة جنوب السودان، جوبا، عقب أحداث الفاشر، والتقى أمس (الثلاثاء) مع مناوي لبحث «ترتيبات المرحلة المقبلة». وأشار الدقير إلى «مواصلة النقاشات حتى يتحقق السلام الشامل»، مستغلّاً الزيارة لعقد اجتماعات أخرى مع قادة «الجبهة الثورية» ومستشار رئيس الجنوب.
يصعّب الاختلاف بين «التغيير» والحركات الدارفورية تشكيل الحكومة


يقول القيادي في «تجمع المهنيين»، محمد ناجي الأصم، الذي كان ضمن وفد الفاشر، إن «بعض شباب الجبهة الثورية الذين نعرفهم كانوا غاضبين، ومنعونا من الصعود إلى المنصة، وقد طلبنا منهم أن يسمعوا منا ونسمع منهم، لكنهم رفضوا فقررنا الانسحاب تجنباً للاشتباك». ويشير الأصم إلى أن ما حدث «مؤشر على واحدة من أهم أزمات السودان، هي أزمة الحرب والسلام»، علماً أن «الحرية والتغيير» حمّلت حكومة الفاشر وحركتَي «العدل والمساواة» و«تحرير السودان» مسؤولية ما حدث مع الوفد.
ويضع ما يدور من اختلافات بين «الحرية والتغيير» والحركات الدارفورية المسلحة، الحكومة المقبلة، أمام اختبار يبدأ من أصل تشكيلها، وليس قراراتها التنفيذية فقط، ولا سيما أن الأمر يتعلق بقضية حرب طويلة. هنا، يرى القيادي في «حزب البعث العربي الاشتراكي» وقوى «الحرية والتغيير»، محمد ضياء، أن القوى أعطت أولوية للحركات المسلحة في الوثيقة الدستورية، وهذا صار قراراً واجب التنفيذ على الحكومة. وأشار ضياء إلى أن مجلس الوزراء بمجرد تكوينه سيشرع في دعوة الحركات المسلحة إلى حوار، متوقعاً رغم العوائق الوصول إلى سلام، ولا سيما مع «الإشارات الإيجابية من الحركات المسلحة التي التزمت وقف النار منذ إسقاط النظام ولا تزال».
لذلك، يرى القيادي في «المؤتمر الشعبي»، يوسف لبس، أن ما حدث في الفاشر «يعكس عمق المشكلة القائمة على إقصاء الآخر... قوى الحرية والتغيير أهملت مكوناً أساسياً هو الحركات المسلحة، عندما رفضت بعض مكوناتها تضمين اتفاق أديس أبابا، الذي وُقع بينها وبين الجبهة الثورية، في الوثيقة الدستورية». ويضيف: «إذا مضت الحال هكذا، فلن تُحلّ مشكلة الحرب ولا الأزمة الاقتصادية... ما حدث في الفاشر ردّ فعل طبيعي على نهج الإقصاء الذي كان يمارسه النظام القديم».
لكن التخوف الأساسي يعبّر عنه الكاتب عبد الله آدم خاطر الذي حذر من تبعات الاختلافات بين «الحرية والتغيير» و«الجبهة الثورية»، على رغم أنهما يمثلان جسماً واحداً، لأن من يحملون السلاح يختلفون في عملهم وتعبيرهم عن قادة العمل السياسي، فيما يرى المحلل السياسي حاج حمد أن الجبهة «جسم غريب على الحرية والتغيير لأنها موجودة خارج السودان»، متخوفاً من وقوع الجبهة تحت تأثير التوازنات الدولية.