دمشق | لم يكن الأوروبيون يعتقدون بأن قرار مقاطعتهم للنفط السوري، استيراداً واستثماراً، سيطول إلى هذا الحد. فتوقعاتهم غير الصائبة بسقوط النظام خلال أشهر قليلة راكم من حجم خسائر شركاتهم النفطية، التي كانت موجودة في سوريا منذ عقود عدة، وعزّز من فرضية خروجها مستقبلاً من السوق السورية لمصلحة شركات أخرى فور انتهاء عقودها الموقعة.
وتكشف بيانات خاصة حصلت عليها «الأخبار» من وزارة النفط والثروة المعدنية أنّ التقديرات الأولية لحجم الخسائر المادية المباشرة، التي تكبدها القطاع النفطي اعتباراً من بداية الأزمة الراهنة حتى نهاية عام 2013، بلغت نحو 2,8 مليار دولار، منها ما نسبته 31% خسائر الشركات العاملة المنتجة في سوريا، التي علّق فيها الشريك الأجنبي أعماله بحجة القوة القاهرة، أي ما قيمته 880 مليون دولار تقريباً، موزعة على 135 مليون دولار قيمة معدات وتجهيزات جرت سرقتها أو تخريبها من قبل المجموعات المسلحة، و745 مليون دولار قيمة كميات النفط الخام والغاز المنزلي، التي سرقتها المجموعات المسلحة على نحو مباشر من الآبار الإنتاجية وخزانات التجميع التابعة لهذه الشركات.
وتضيف البيانات، التي تنشر للمرة الأولى، أنّ قيمة الإيرادات الفائتة نتيجة توقف العمليات الإنتاجية لكامل القطاع النفطي تقدر بنحو 16,6 مليار دولار، منها ما نسبته 33% تقريباً قيمة الايرادات الفائتة للشركات العاملة، التي علّق فيها الشريك الأجنبي أعماله، أي ما يعادل 5,5 مليارات دولار اميركي، وتالياً فإنه يمكن القول إنّ إجمالي الخسائر التي منيت بها هذه الشركات تتجاوز مبلغ 6,4 مليارات دولار أميركي. وللعلم، فإنّ عدد الشركات الأجنبية، التي عملت في سوريا قبل فرض العقوبات، بلغ 14 شركة، موزعة كالتالي: خمس في مجال الاستكشاف وهي «شل»، «بتروكندا»، «موريل بروم»، «لون انيرجي»، «واينا»، وسبع في مجال الانتاج هي: «شل»، «توتال»، «بتروكندا»، «اينا»، «غالف ساندز»، «اي بي ار»، «تاتنفت»، فضلاً عن شركتين صينيتين هما: «الشركة الوطنية الصينية» وشركة «ساينوبك لوم».
وتبعاً للبيانات السابقة، فإن حجم الإنتاج للشركات الأجنبية قبل الأزمة وصل إلى مئة ألف برميل يومياً، وما يعادل 7 ملايين متر مكعب غاز للشبكة، وكان هناك فرص واعدة مع تلك الشركات لتوسيع نشاطها في مناطق أخرى، كما تؤكد وزارة النفط السورية.

الدول «الصديقة» أولاً

برغم تأكيد وزارة النفط «أن العقود الموقعة مع تلك الشركات ما زالت سارية المفعول بالرغم من كونها معلقة، إذ إن تعليقها لا يعني إنهاءها أو انتهاءها، وفرص التعاون مع هذه الشركات مستقبلاً سيجري تحديدها وفقاً للخيارات، التي ستكون متاحة بما يخدم مصلحة الجانب الوطني أولاً». إلا أنه يبدو من قراءة الأولويات، التي وضعتها وزارة النفط لنفسها خلال الفترة المقبلة «أنّ ما قبل العقوبات ليس كما بعدها». إضافة إلى الرسالة التي مثلتها خطوة التوقيع مع شركة «سيوز نفتا غاز» الروسية للتنقيب عن النفط وإنتاجه من المياه الإقليمية السورية، ووفقاً لما ذكرته المصادر لـ «الأخبار» فإن هذه الأولويات تتمثل في النقاط التالية:
ــ التركيز على إعادة تأهيل القطاع، الذي تعرض لضرر كبير، سواء لجهة بنيته التحتية من منشآت وخطوط وحقول ومكامن نفطية، أو لجهة إعادة دورة الإنتاج بأسرع وقت ممكن.
ــ توسيع التعاون وخاصة في مجالات الاستكشاف براً وبحراً وعلى الأنواع غير التقليدية من النفط والغاز صعب الإنتاج.
ــ التركيز على استمرار الاهتمام بالكوادر الوطنية وتدريبها، فقد أثبتت التجربة خلال الأزمة قدرة الكوادر السورية وإخلاصها في إدارة المنشآت الإنتاجية باحترافية عالية.
ــ متابعة مشاريع التعاون الإقليمي مع الدول الصديقة والشقيقة، وخصوصاً في العراق وإيران في خطوط نقل النفط والغاز.
ــ توسيع التعاون في كافة مجالات الصناعة النفطية مع الدول الصديقة، التي كانت صديقة للشعب السوري خلال الأزمة مثل دول «البريكس».

المصالح... لا الشعارات

ليست سوريا وحدها من خسر جراء عقوبات الأوروبيين على قطاعها النفطي وتشجيعهم المعارضة المسلحة على سرقة الآبار وإنتاجها، فدول الاتحاد الأوروبي التي بقيت لسنوات عدة «تناكف» السوريين في مفاوضات الشراكة للحيلولة دون حصول صادرات منتجاتهم الزراعية كالبطاطا والحمضيات على ميزة تنافسية، فقدت بوصلة مصالحها الاقتصادية في سوريا ليس حباً بالشعب السوري ودفاعاً عن حقوقه كما تدعي، بل لأن تقديراتها لمجريات الأمور قد خابت.