الخرطوم | قاطعاً الطريق أمام أحزاب قوى تحالف المعارضة التي فرض عليها عدة شروط للدخول معها في حوار شامل، أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان على نحو قاطع رفضه تأليف حكومة انتقالية تضم كافة القوى المعارضة لتقود البلاد في فترة انتقالية محددة يجري بعدها تنظيم انتخابات حرة عام 2015 . الحكومة وعلى لسان نائب الرئيس رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني، حسبو عبد الرحمن، تمسكت بأحقيتها في اكمال فترتها الانتخابية التي تنتهي في تشرين الأول من العام المقبل، ودعت بعض الأحزاب الصغيرة التي تشاركها في الحكم الآن إلى الاستعداد لخوض الانتخابات المقبلة، لأن ذلك هو الطريق الوحيد للمشاركة في السلطة. وهي ذات الدعوة التي قدمتها الى أحزاب قوى تحالف المعارضة، التي سارعت الى رفض الحوار ما لم تستجب الحكومة لمطالبها المتمثلة في بسط الحريات، وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين، ووقف الحروب في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان.
قبول «المؤتمر الوطني» تأليف حكومة قومية، عبر مشاركة بعض الأحزاب في انتخابات ينظمها هو، ورفضه القاطع لأي فكرة تتحدث عن حكومة انتقالية تأتي على حساب تفكيك الحكومة الحالية، خطوة يراها مراقبون سياسيون بأنها التفاف وتراجع عن دعوته التي أطلقها للإصلاح الوطني والتوافق السياسي مع كافة القوى السياسية، وخاصة أن «المؤتمر» ربط موافقته على تأليف حكومة قومية بما يفضي إليه الحوار مع تلك القوى من نتائج، ومن بينها الاتفاق على اعتماد الشريعة الإسلامية أساسا للحكم، وهو ما ترفضه قوى اليسار والأحزاب العلمانية.
وتأتي التطورات الأخيرة في ما يتعلق بسعي الحكومة الى التحاور مع الأحزاب، وتلميحها بقبول تأليف حكومة قومية، في أعقاب التقارب الكبير والمفاجئ الذي حدث أخيراً بين الحزب الحاكم، وحزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة حسن الترابي، بعد خمسة عشر عاماً من المفاصلة الشهيرة بينهما عقب انقلابهما معاً على حكومة الصادق المهدي المنتخبة، عام 1989.
تقارب وإن كان متوقعاً حدوثه في أية لحظة، إلا أن توقيته الحالي يزيد من التكهنات بوجود صفقة بين «الوطني» و«الشعبي»، أفضت إلى إطاحة رؤوس كبيرة في نظام البشير، متمثله في نائب الرئيس السابق علي عثمان طه، ومساعد الرئيس البشير نافع علي نافع، مقابل تخلي الترابي عن موقفه المتشدد ورفضه أي مصالحة مع «إخوان» الأمس.
وبدا واضحاً أن حضور الأخير لخطاب الرئيس عمر البشير «المفاجأة» الشهر الماضي، كان هو الإعلان الحقيقي لتقارب ظلّ خفياً لعدة شهور.
من جانبه، برّر قيادي بارز في حزب المؤتمر الشعبي، فضّل عدم الكشف عن هويته، خطوة الحزب بقبول التحاور مع المؤتمر الوطني بأن هناك متغيرات إقليمية ومحلية أثرت على الجميع حكومة ومعارضة، وأن الضغط الخارجي والأخطاء الداخلية يفرضان واقعاً جديداً. وكشف القيادي في المؤتمر الشعبي لـ «الأخبار» أن حزبه وافق على الحوار مقابل إقامة حكومة قومية انتقالية في برنامج محدد يقودها تكنوقراط. وشدد على أن حرية العمل السياسي هي أهم مطالب «الشعبي»، إضافة الى الإعداد للانتخابات بتأهيل المؤسسات المحلية المعنية بذلك. ونفى نفيا قاطعا أن يكون حزبه يسعى من وراء قبوله التحاور مع الوطني المشاركة في السلطة.
ويسود اعتقاد واسع بأن الحكومة إذا ما أفلحت في ضم الترابي وحزبه للمشاركة في حكومة قومية، إلى جانب حزبي الأمة القومي، والاتحادي الديموقراطي، اللذين يشاركان فعلياً في الحكومة الحالية، تكون قد نجحت في تقوية موقفها وتغيير صورتها على الأقل أمام المجتمع الدولي. المجتمع ظل يطالبها بإحداث تغييرات. ومن جانب آخر تكون قد نجحت في إضعاف وتفكيك تحالف قوى المعارضة، الذي كان حزبا الأمة والمؤتمر الشعبي يمثلان إحدى نقاط قوته.
وبحسب مصدر مطلع داخل الحزب الحاكم تحدث لـ «الأخبار»، فإن المؤتمر الوطني يسعى خلال الفترة المقبلة إلى إشاعة جو من الحريات لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، وأن المؤتمر الوطني سيكون حريصاً أكثر من غيره من القوى السياسية على ضمان نزاهة الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك رأى متابعون أن قبول المؤتمر الوطني مقترح تأليف الحكومة القومية، هو جزء من مخطط الحكومة لتحسين صورتها.
ان الانتخابات المقبلة حتى وإن شُهِد لها بالنزاهة أثناء ممارسة العملية الديموقراطية، فإن المحصلة النهائية ستكون فوز حزب المؤتمر الوطني بصناديق الانتخابات، باعتبارة الحزب الأكثر تنظيماً، الذي يمتلك قواعد منظمة على جميع المستويات، كما في استطاعة الحزب تسخير ممتلكات الدولة وأجهزتها الرسمية لخدمة برنامجه من دون أن يكون هناك رادع له.
وفيما رهن المؤتمر الوطني موافقته على قيام حكومة قومية بمخرجات التحاور مع القوى السياسية حول الثوابت الوطنية، كجزء من دعوة الاصلاح السياسي، التي اعلنها الحزب أخيراً، ودفع بها الى القوى السياسية، فإن صفة القومية هذه ستنتفي، بعدما أعلنت قوى الإجماع الوطني رفضها التحاور مع الوطني، وعلى رأسها الحزب الشيوعي.