نيويورك | ربما كان البعض يتوقّع أن يتحفظ الروس والصينيون على مشروع القرار حول الوضع الانساني في سوريا، الذي قدمته استراليا والأردن ولوكسمبورغ بدعم من الدول الغربية في مجلس الأمن الدولي، أو أن يستخدموا حق الفيتو ضده، لكن قراءة دقيقة في القرار تظهر أنّ الروس استطاعوا إنتزاع مكاسب في نيويورك، لم تتحقق في مؤتمر «جنيف 2» قبل أسبوعين.
ففي جنيف، سعى الوفد السوري الرسمي إلى جعل وقف العنف ومكافحة الإرهاب على رأس جدول الأعمال، لكن الوفد المعارض رفض بتاتاً قبول كلمة إرهاب أو الخوض في الموضوع. وفي القرار الذي صدر، أول من أمس بالإجماع، كان وقف العنف على رأس مطالب المجتمع الدولي. وحذفت أيّ إشارة تتعلق بالفصل السابع كما كان الحال في المسودة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المحكمة الدولية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل طلب القرار على نحو صريح من الحكومة السورية ومن المعارضة المسلحة العمل معاً أو كل في مكانه على محاربة تنظيم «القاعدة» وفصائله، والقضاء عليه وإخراجه من سوريا نهائياً. وهي خطوة متقدمة للغاية في إطار ما يبدو أنها استراتيجية جديدة جرى التوصل إليها على المستويين الإقليمي والدولي.
ودعا القرار أيضاً إلى الوقف الفوري لكافة أشكال العنف والمعاناة في سوريا، والمحافظة على تراثها وتنوع شعبها وحماية آثارها. وأكد أنّ الوضع في سوريا سيتدهور باستمرار طالما لم يجرِ التوصل إلى حل سياسي للأزمة، كما دعا إلى رفع الحصار عن الأماكن المأهولة، ولا سيما حمص القديمة ونبّل والزهراء ومعضمية الشام، ومخيم اليرموك، والغوطة الشرقية، وداريا، وغيرها. وطالب الجميع، ولا سيما الحكومة، بالسماح بإيصال المساعدات عبر خطوط التماس وعبر الحدود من أقصر الطرق.
وطلب المجلس من الأمين العام تقديم تقرير عن تطبيق القرار كل 30 يوماً بعد إصداره. والقرار يبقى في مجمله في خانة التمني والطلب، وليس ملزماً إذا لم تكن الدول الكبرى متفقة على تطبيقه. والقوة تبقى واردة في إطار التسليح السري، والقرار لم يتحدث عن وقف تسليح أحد.
وإذا كانت المساعدات ستنقل عبر الحدود إلى سوريا، فإنّ التجارب الأخيرة أثبتت أن ضمان سلامة تلك المساعدات مستحيل حتى عندما تؤخذ الموافقة من كل الأطراف. فكيف يكون الحال لو أن المساعدات دخلت من الأردن، من دون تفتيش السلطات السورية؟ من المؤكد أن سوريا ستعرقل وصول أي مساعدات لا تخضع لتفتيش أجهزتها المباشر. أما بالنسبة إلى اتخاذ إجراءات لاحقة في حال عدم تطبيق القرار، فإن أي إجراءات لا بد أن تمر عبر مجلس الأمن الدولي وبموافقة روسيا والصين، لكن القرار سيبقى تحت المراجعة الشهرية، وهنا نجح الطرف الغربي في تحويل الملف السوري بنداً على جدول أعمال المجلس، أسوة ببند الحالة في الشرق الأوسط.
والمسألة البارزة التي أثارها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في مستهلّ الحديث عن ضرورة مساعدة وإنقاذ 240 ألف سوري محاصرين، 200 ألف منهم من قبل السلطات السورية، هو أنّ المساعدات ليست مؤمنة لكي تنقل إلى سوريا بعد تقاعس المجتمع الدولي عن تقديم معونات تزيد قيمتها على 11 في المئة من المطلوب حسب الأمم المتحدة.
وأوضح المندوب السوري بشار الجعفري، في كلمته أمام مجلس الأمن، أنّ قيمة المساعدات التي قدمت لسوريا قد لا تتجاوز 7 في المئة عما يحكى.
بدوره، رأى المندوب الفرنسي، جيرار آرو، أنّ المصالحات التي تنفذها الحكومة السورية ليست صادقة «بدليل أن بعض من خرج من حمص القديمة جرى اعتقاله». وهو ما نفاه المندوب السوري، الذي أكد أنّ كل الذين جرى استجوابهم أخلي سبيلهم. أمر آخر تصدى له الجعفري هو اتهام حكومة بلاده بعرقلة مسودة جدول أعمال مؤتمر «جنيف 2»، وقال إنّه «شخصياً قبِل المسودة بمجرد عرضها عليه، وأن المعارضة هي التي رفضتها»، وطلب سؤال المبعوث المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي عن الأمر، لكن الأخير يبدو أنّه يتباطأ في التوجه إلى نيويورك، لأنّه وجد نفسه محرجاً في جنيف ولا يريد أن يزيد من حرجه حيث تعقد جلسة مجلس الأمن، وستعقد جلسة الجمعية العامة غداً الثلاثاء، أيضاً للنظر في الوضع الإنساني السوري بناء على طلب سعودي.