امتدت آجال الترشّح للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة لأوانها طوال الأسبوع الماضي. وفيما توالت الترشيحات في الأيام الأولى، بقي رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، متكتّماً حول موقفه من خوض السباق، لينهي صمته، مساء أول من أمس، حين ألقى خطاباً لمناسبة انعقاد «مجلس وطني موسّع» لحزبه «تحيا تونس»، أعلن فيه ترشحه، ورسم الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي. في خطابه، دافع الشاهد عن حصيلة ثلاثة أعوام من الحكم، وقال إن المؤشرات الاقتصادية صارت اليوم إيجابية بعدما وجدها سلبية. وركّز، في هذا السياق، على جهوده في مكافحة الفساد، مشيراً، خصوصاً، إلى التعديلات التي اقترحتها حكومته في القانون الانتخابي، وأقرّها البرلمان، لكنها سقطت بعد تعطيل الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، تنفيذها. تعديلاتٌ تفرض على المرشحين للرئاسة تقديم وثائق تفيد بدفعهم للضرائب، إضافة إلى اشتراطات أخرى كانت تهدف إلى إقصاء عدد من المرشحين «الشعبويين». وحاول الشاهد، أيضاً، إبعاد نفسه عن «حركة النهضة»، إذ نفى أن يكون مدعوماً منها، مستدلّاً على ذلك بتقديمها مرشحاً من داخلها، هو الرئيس الموقت للبرلمان، عبد الفتاح مورو. وقصة الشاهد مع «النهضة» لها سياق؛ فهي كانت، لفترةٍ، الداعم الأبرز له حين اختلف مع السبسي وحركة «نداء تونس»، إذ مثّلت الطرف الأساسي المعارض لتنحيته من على طاولة تحالف «الوحدة الوطنية» المُشكّل من أحزاب ومنظمات مهنية.الصورة الجديدة التي أراد يوسف الشاهد رسمها لنفسه خلال خطابه، فيها تشبّهٌ بالدور الذي قام به السبسي. يريد رئيس الحكومة أن يكون هو وحزبه قوة توازن سياسي ضدّ «النهضة»، بوصفه مرشح «القوى الديموقراطية والتقدمية»، تماماً كما فعل الرئيس الراحل عند تأسيسه «نداء تونس» عام 2012. تواجه رغبة الشاهد مشكلة، وهي تغيّر المشهد السياسي عما كان عليه قبل سبعة أعوام. اليوم، ثمة تنوع كبير في الساحة السياسية، كما لم تعد «النهضة» الخصم الوحيد الذي تتوحّد ضده بقية الساحة، حيث ظهرت كيانات جديدة تقودها شخصيات قادمة من الإعلام والجمعيات والنظام السابق فشلت محاولة إقصائها.
حاول الشاهد إبعاد نفسه عن «النهضة» بعدما كانت، لفترة، الداعم الأبرز له


الوضع الحالي للسياسة التونسية يتجه نحو تشكّل محورين جديدين: يشمل الأول القوى الحاكمة والفاعلة في الأعوام السابقة، ومحوراً آخر يحوي اللاعبين الجدد «الشعبويّين». بناءً على ذلك، من الممكن أن تشهد الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية تحالفات واسعة بين مكونات كل محور. ومن غير الممكن، الآن، توقّع ما سيحصل، لكن الجميع يرجّح المرور إلى دورة ثانية للانتخابات بسبب كثرة المرشحين وتقارب نسب شعبيتهم. يضفي ذلك ضبابية على المشهد، جعلت الجميع يقدم مرشحه على أمل النجاح في الدورة الأولى، أو على الأقل القيام بدور تفاوضي ما لاحقاً.
اللاعبون الجدد في الساحة السياسية ليسوا المشكلة الوحيدة أمام الشاهد. فالرجل حاول أن يجمّع أكبر قدر ممكن من الأحزاب والشخصيات القريبة منه فكرياً، ونجح في استقطاب عدد من هؤلاء لحكومته ولحزبه «تحيا تونس»، لكن ذلك غير كافٍ. توجد اليوم وفرة في مرشحي ما يعرف في تونس بـ«العائلة الوسطية»، تشمل شخصيات وازنة. من بين هؤلاء وزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، المدعوم من «نداء تونس» وعدد من البرلمانيين، ويُصوَّر كوريث سياسي للرئيس الراحل. وهناك أيضاً رئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة، المدعوم من جهات مالية نافذة، والذي يرتكز على ما راكمه خلال ترؤسه حكومة تكنوقراطية موقتة (2014 ــــ 2015)، وكذلك المستشار السابق لرئيس الجمهورية، محسن مرزوق، الذي يتزعم حزب «مشروع تونس»، ويضاف إلى هؤلاء مرشحون آخرون أقل حضوراً.
يشرب كل هؤلاء من البئر الأيديولوجية نفسها، ويتقاسمون القاعدة الانتخابية عينها، ولهم تحالفات وأحزاب متشابهة، لكن قد يكون الشاهد أوفرهم حظاً، نظراً الى موقعه على رأس الحكومة، وقد أعلن في خطابه نيته عدم الاستقالة من منصبه خلال السباق الرئاسي. النقطة الأخيرة تثير هواجس عدد من الفاعلين لناحية تسخير موارد الدولة، حيث يعمل الشاهد الآن على تدشين أكبر قدر ممكن من المشاريع، واتخاذ إجراءات حكومية يصفها بـ«الشجاعة»، خدمةً لصورته.
تضفي هذه المسائل مزيداً من الأهمية على الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والتي ستُعقد دورتها الأولى في 15 أيلول/ سبتمبر المقبل، والانتخابات التشريعية التي ستعقد في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، لجهة محوريتها في تركيز الديموقراطية. ستكون الساحة السياسية التونسية أمام اختبار جديد لنقل السلطة سلمياً، وستكون بقية مؤسسات الدولة أمام اختبار حماية الانتخابات من اختراق الضوابط القانونية، وخاصة لناحية الدعاية والمال.