تعرضت مدينة مرزق، مساء أول من أمس، لقصف جوي من طائرات مسيّرة، استهدف تجمعاً لعدد كبير من الناس، اختلفت الروايات حول طبيعته بين من يقول إنه حفل زفاف، ومن يقول إنه مناسبة عزاء. الثابت في الموضوع مقتل وجرح العشرات. وفي ظلّ غياب الأعداد الرسمية للضحايا، تشير تقديرات إلى سقوط ما بين 20 و41 قتيلاً، وأكثر من 60 جريحاً.في وصفها للقصف، قالت قوات حفتر، عبر مركزها الإعلامي، إن طائراتها «تستهدف بضرباتها العصابات التشادية المدعومة من تنظيم الإخوان الإرهابي المعتدية على مرزق». وتعتمد قوات حفتر باستمرار حجّة وجود تشكيلات من المعارضة التشادية المسلحة في جنوب ليبيا لتبرير تمددها هناك، أو لاستهداف معارضين ليبيين من ذوي البشرة السوداء، خاصة المنحدرين من قبائل التبو.
من ناحيته، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» في طرابلس بيان تنديد بالقصف. وجاء في البيان أن «المجلس الرئاسي يحمّل ميليشيات حفتر المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان وكل ما شهدته المدينة من اعتداءات وانتهاكات في فترة سابقة». وطالب «بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهما وإجراء تحقيق»، ودعا «حكماء المنطقة وشيوخها إلى الاحتكام للعقل، وأن ينتبهوا إلى ما تستهدفه ميليشيات حفتر من إشعال الفتنة والنزاعات بين المكونات الاجتماعية في المدينة».
ودخلت قوات حفتر إلى مدينة مرزق في شهر شباط/ فبراير الماضي، بعد خوضها معارك دامية مع «قوة حماية الجنوب» التي يتزعمها قيادي من قبائل التبو يدعى حسن موسى. دخول أدى بسرعة إلى نشوب صراعات داخل المدينة، بين أغلبية السكان المنتمين إلى التبو، وأنصار قوات حفتر المنتمين إلى قبائل أخرى. وبعد أيام من استكمال السيطرة على مرزق، اندلعت أعمال انتقامية أدت إلى حرق نحو 90 منزلاً. ويمثّل حرق بيوت الخصوم عرفاً قبلياً في جنوب ليبيا وشرقها، يهدف إلى تهجير الأعداء. وفي ردّ فعل على هذه التطورات، أعلن حينها ممثلو التبو في برلمان شرق البلاد تعليق عضويتهم، وأصدرت النائبة رحمة أبو بكر أدم بياناً قالت فيه إن قوات حفتر استعانت بـ«ميليشيات قبلية متحالفة مع جيش تحرير السودان (ميليشيا تنحدر من دارفور)»، ووصفت ما يحصل بـ«التطهير العرقي لمكوّن التبو».
ويُعدّ قصف أول من أمس امتداداً لهذه التوترات، حيث صارت التشكيلات العسكرية المختلفة داخل المدينة متجذّرة ضمن مكوناتها القبلية التي توفر حاضنة اجتماعية لها. ويبدو أن قوات حفتر كانت تريد استهداف عناصر من «قوة حماية الجنوب»، لكن الأمر انتهى بقصف تجمّع يحوي عدداً كبيراً من المدنيين. ووقعت آخر هجمات تلك القوة التابعة لـ«الوفاق» في منتصف نيسان/ أبريل، حيث استهدفت «قاعدة تمنهنت الجوية» جنوب البلاد وسيطرت عليها لساعات، قبل أن تنسحب منها.
وليست هذه المرة الأولى التي يخطئ فيها الطيران التابع لقوات حفتر أهدافه، إما لسوء تقدير أو لإيصال رسالة قوة. بداية هذا الشهر، قصفت طائرات مسيّرة مركزاً لإيواء المهاجرين غير النظاميين في ضاحية تاجوراء شرق طرابلس، ما أدى إلى مقتل 60 مهاجراً وجرح نحو 130. وبرّرت قوات حفتر العملية باستهداف مخزن للذخيرة مجاور لمركز الإيواء، لكن الأمم المتحدة قالت إنها أمدّت طرفي القتال بإحداثيات دقيقة لجميع مراكز إيواء المهاجرين لتجنّب تعريضها للقصف.