صنعاء | ما إن أعلنت الإمارات خفض مشاركتها العسكرية في تحالف العدوان على اليمن، وسحب جزء من قواتها المنتشرة هناك وإعادة نشر البقية، حتى دشّنت السعودية مرحلة جديدة من التحشيد والتجنيد، ماضيةً على نهج حليفتها في تفريخ المزيد من الميليشيات في المحافظات الجنوبية خصوصاً، تحت ذريعة سدّ فراغ الانسحاب الإماراتي. في هذا الإطار، وبموازاة وصول قوات سعودية وأخرى موالية لنائب الرئيس المنتهية ولايته، الجنرال علي محسن الأحمر، إلى محافظة حضرموت (تحديداً وادي حضرموت) بعد تدريبها في محافظة مأرب، علمت «الأخبار» من مصادر محلية في محافظة أبين أن الرياض وجّهت، أخيراً، بإعادة إحياء «اللجان الشعبية» التي موّلت تشكيلها عام 2012، بدعوى «مكافحة الإرهاب» حينذاك. توجيهٌ جاء، بحسب المصادر، بعدما نجح الشيخ السلفي، صالح المشجري، في حشد أكثر من 15000 مجنّد جديد بدعم سعودي.وفي التفاصيل، فإن المشجري أسّس الشهر الفائت معسكر «الأماجد» في مديرية لودر في محافظة أبين، وحشد إليه 4000 شاب من أبناء المديرية، ليعقب ذلك مطلع الشهر الجاري افتتاح معسكر تجنيد آخر في منطقة المنياسة، الواقعة بين مديريتَي مودية ولودر وسط أبين، وحشد قرابة 11000 شاب من أبناء دثينة والوضيع (التي ينحدر منها عبد ربه منصور هادي) إليه. وبحسب المصادر، فإن عملية التجنيد هذه تجري من دون التنسيق مع وزارة الدفاع التابعة لحكومة هادي، وبتوجيهات مباشرة من القيادة السعودية. وعن التوجيه المتعلق بـ«اللجان الشعبية» التي كانت فاعلة ما بين عامَي 2012 و2015، توضح المصادر نفسها أن قائد تلك اللجان هو العميد عبد اللطيف السيد، الذي يقود حالياً ميليشيات «الحزام الأمني» (في أبين) الموالية لأبو ظبي، والتي لا تزال خاضعة للأخيرة، خلافاً لما جرى في الساحل الغربي، حيث سحبت الإمارات معظم قياداتها من هناك، وأبقت على وجود رمزي لها فقط. وعليه، قد تجد الرياض نفسها أمام خيار تكليف قيادة أخرى بإعادة تشكيل «اللجان الشعبية» التي كان قوامها 25 ألف جندي.
وفي أول اعتراض على تلك الخطط، حذرت «حركة شباب أبين الثورية»، إحدى الحركات المحلية المعارضة لـ«التحالف»، من خطورة الاتجاه السعودي الأخير، الذي يسعى إلى استغلال الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة في المحافظة، التي تعاني من تدهور الخدمات العامة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. واعتبرت الحركة، في بيان صادر عنها الأسبوع الماضي، حصلت «الأخبار» على نسخة منه، ما يحدث من موجة جديدة من استقطاب للشباب عملية تجريف تستهدف الزجّ بهم في محارق في جبهات الشمال والساحل الغربي. واتهمت المشجري بضمّ العشرات من عناصر «القاعدة» القادمين من محافظة البيضاء وسط البلاد إلى معسكره، ومنح البعض منهم مواقع أساسية في «المنياسة»، محذرة من مخاطر التعبئة الطائفية التي يتولّاها دعاة سلفيون داخل معسكرات التجنيد المدعومة سعودياً.
أكد «المجلس السياسي» أن أي تصعيد سيواجَه بردّ مؤلم لن يقتصر على الداخل


وفي الاتجاه نفسه أيضاً، أمرت قيادة «التحالف» في الرياض بنقل لواء «الكواسر»، الذي يصل عدد أفراده إلى 4000 جندي معظمهم من المحافظات الجنوبية، من نجران في الحدّ الجنوبي للمملكة، إلى أبين، كما وجّهت برفع قوام اللواء إلى 6000 مقاتل، بزيادة 2000 جندي من المتوقع أن يتم استقطابهم من مناطق حدودية بين أبين وشبوة الجنوبيتين.
هذه التوجيهات وازاها تصاعد خروقات اتفاق وقف إطلاق النار في محيط مدينة الحديدة، وفي مديرية الدريهمي، ومنطقة الجاح، في الساحل الغربي، خلال الأيام الماضية، إلى مستوى ينذر بانهيار الهدنة، بعدما غادر رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» المعنيّة بتنفيذ اتفاق الحديدة، الجنرال مايكل لوليسغارد، اليمن، جراء انتهاء فترة عمله أواخر الأسبوع الماضي. وفي منطقة الوازعية غربي تعز، والتي تُعدّ إحدى جبهات الساحل الغربي القريبة من مضيق باب المندب، يُسجَّل تحشيد كبير لميليشيات موالية لـ«التحالف»، بموازاة إعادة تموضع أخرى كانت الإمارات قد أسّستها خلال الأعوام الماضية، وتسلّمت السعودية مهمة الإشراف عليها رسمياً مطلع الشهر الجاري، وفق مصادر عسكرية. وهي عملية (الميليشيات المعنيّة بها «ألوية العمالقة» و«المقاومة التهامية» و«ألوية حراس الجمهورية» التابعة لنجل شقيق الرئيس السابق طارق محمد عبد الله صالح) لا تقتصر على البرّ، بل تشمل البحر أيضاً، إذ دفعت الإمارات، قبيل إعلانها الانسحاب، بالمئات من عناصر ميليشيات درّبتها حديثاً في إريتريا، وأطلقت عليها «خفر السواحل»، إلى جزيرة ميون الواقعة في باب المندب، لتُوجّه قيادة «التحالف» إثر ذلك ميليشيا «المقاومة التهامية» بالانسحاب من جزيرة زقر الواقعة على البحر الأحمر، وتسليمها لميليشيات طارق صالح، لكن «التهامية» رفضت الأمر، ما اضطر «التحالف» الخميس الماضي إلى تهديدها بفرض عملية التسليم بالقوة. في ضوء كل ما تقدم، حذر «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، في آخر اجتماعاته الدورية الأسبوع الماضي، من تصعيد عسكري يعدّ له تحالف العدوان على جبهات الحدود والساحل الغربي، مؤكداً أن أي تصعيد من هذا النوع سيواجَه بردّ مؤلم لن يقتصر على الداخل، بل سيطال دول «التحالف»، الذي يبدو أن قائدته، السعودية، تريد استثمار فرصة عسكرية قد تكون الأخيرة لها، قبيل أي مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى إحلال السلام، في ظلّ عودة الاهتمام الدولي بالحرب في اليمن، كقضية محورية ضمن سياق التوتر الحاصل في المنطقة.