الأجيال الجديدة مؤمنة بالاستقلال، وهي التي تقود الانتفاضة نحن نواجه من وراء المغرب فرنسا وبعض الدول الخلیجية وإسرائیل

يوم الجمعة الماضي، على هامش الاحتفالات بانتصار الجزائر في «كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم»، سقطت الشابة «الصحراوية»، صباح عثمان عميدة، ضحية للقمع العنيف الذي مارسته الشرطة المغربية في مدينة العيون، والذي سبّب أيضاً سقوط العديد من الجرحى. اللجوء المباشر للعنف ضد المدنيين خلال التجمعات أو التظاهرات السلمية في المناطق الصحراوية بات أمراً اعتيادياً، أدانته منظمات حقوق الإنسان كـ«هيومان رايتس ووتش» منذ عام 2017، مع ما رافقه من انتهاكات فاضحة للحقوق. وفي سياق تزايد هذه الممارسات، والتوترات الناجمة عنها، واستمرار السلطات المغربية في رفض تنظيم استفتاء على مصير تلك المناطق، قابلت «الأخبار»، أمينتو حيدر، رئيسة «تجمّع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان»، حول ظروف حياة الصحراويين، وتطلّعات الأجيال الجديدة منهم.

ما آخر التطورات بعد أحداث يوم الجمعة الماضي، وما تداعياتها المحتملة؟
الحقیقة أن الوضع في المناطق المحتلة من الصحراء الغربیة لم یعرف قط تحسناً یُذكر منذ الغزو المغربي للإقلیم عام 1975. منذ دخول السلطات المغربیة البلد عسكریاً، وھي تسجل حالات صریحة وخطیرة من حالات انتھاكات حقوق الإنسان، بدءاً من ارتكاب قواتھا جرائم حرب ضد المدنیین عبر حالات مسجلة لمقابر جماعیة، وقتل جماعي، إلى جریمة الاختفاء القسري التي مورست ضد آلاف الصحراویین، مروراً بالاعتقال التعسفي، والممارسة الممنھجة للتعذیب الجسدي، والترھیب النفسي ضد كل من یجرؤ على معارضة الاحتلال المغربي للبلد. والآن، في ھذه الأیام، ونتیجة للاحتقان السابق، یحاول نظام الاحتلال المغربي، مرة أخرى، السیطرة على الوضع عبر ممارسة أبشع أنواع الانتھاكات والعنف، حتى ضد النساء والقاصرین. لدینا أشرطة فیدیو لأطفال صغار وھم بین أیدي جلّادیھم الذین یضربونھم ویتقاذفونھم، كما لو أنھم مجرد كرة تتقاذفھا أقدام الغزاة. بلغ حقد قوات الاحتلال درجة استعمال السیارات لدھس الأبریاء، وھو ما أدى إلى وفاة الطالبة الصحراویة، صباح أنجورني، التي سقطت شھیدة بعد دھسھا بسیارتین للقوات المساعدة المغربیة، فضلاً عن دھم المنازل فجراً، واختطاف العشرات من الشبان، من بینھم قاصرون. وقبل ھذا بأسابیع قلیلة، فقدنا أكثر من عشرین شاباً صحراویاً أضيفوا إلى لائحة شھداء قوارب الموت. وھذه أیضاً ظاھرة یشجعھا النظام المغربي، وھي نتیجة مباشرة لسیاسة التھمیش والتمییز المنتھجة تجاه الصحراویین والحكم علیھم بالعیش في الفقر وحرمانهم الاستفادة من خیراتھم البحریة والمعدنیة. إذاً، لا نستطیع حقیقة التبشیر بأي نوع من التحسن لوضعیة الشعب الصحراوي تحت الاحتلال المغربي، بل وأستطیع التأكید أن الوضع قابل للانفجار، وأنه لن یظلّ طویلاً على ما ھو علیه. وللأسف الشدید، قد نرى في المستقبل القریب حرباً جدیدة في الصحراء الغربیة إذا ما واصل الاحتلال المغربي تعنته وإمعانه في انتھاك حقوق الشعب الصحراوي المشروعة، وواصل المنتظم الدولي صمته وتجاھله لإرھاب الدولة الذي یمارسه علینا نظام محمد السادس، وواصل ذات ھذا المنتظم الدولي تقاعسه عن فرض احترام القانون الدولي والشرعیة الدولیة التي تقول إن المغرب دولة احتلال، والصحراء الغربیة مستعمرة ینبغي تصفیة الاستعمار منھا بكل بساطة، وإلا فلن تھدأ الأوضاع أبداً.
إذا كان المغرب متأكداً من أن الأجیال الشابة ترغب في أن تكون مغربیة، فلماذا یخشى الاستفتاء؟


بدا في مرحلة سابقة أن المغرب حاول اتباع سياسة دمج للشباب الصحراوي. هل تشكل موجة القمع الحالية إيذاناً بنهاية هذه السياسة؟
ھذا الموضوع غیر صحیح. المغرب لم یعتمد ولم یتبنّ یوماً أي سیاسة سلمیة أو مسالمة تجاه الصحراویین. ما یسميها «سیاسة استیعاب سلمیة»، إن وُجدت، ھي في حدّ ذاتھا اعتداء على حق الشعب الصحراوي، فلا یحق للمغرب أن یمارس أي سیاسة تجاه الصحراویین، لأن الصحراء الغربیة لیست ملكاً له من الأساس، فكیف له أن یمارس أي شيء. ھذا یشابه بالضبط دعایات نظام الاحتلال الصھیوني وممارساته في جنوب لبنان خلال العقود الماضیة. السیاسة الوحیدة التي على أي احتلال، والاحتلال المغربي في حالتنا، اتباعھا، سیاسة التخلي عن أطماعه وأحلامه الاستعماریة التوسعیة، واحترام حدوده الدولیة، واحترام حق جیرانه جمیعاً، لا الصحراویین فقط، في الحریة والاستقلال. وھنا، لا ینبغي أن ننسى أن نظام المغرب لدیه مشاكل مع جمیع جیرانه دون استثناء، مع الجزائر، وموریتانیا، وإسبانیا، والصحراء الغربیة. إذاً، السیاسة الحقیقیة التي یتبعھا النظام في المغرب ضد الصحراویین، ھي سیاسة أي قوة استعماریة، سیاسة قوامھا العجرفة، والدعایات الكاذبة، ونھب الخیرات، فضلاً عن الإرھاب، والعنف، والتقتیل خارج القانون، والتوسع. وبالمناسبة، فھو یمارس أیضاً العنف وإرھاب الدولة حتى ضد أبناء الشعب المغربي الشقیق أنفسھم، في الریف شمال المغرب، وفي غیرھا من المدن المغربیة نفسھا، ولیس فقط في الصحراء الغربیة.

يقال إن «الحق في تقرير المصير» لم يعد مطلباً أساسياً للجيل الجديد من الصحراويين، وإن هذا الأخير أصبح يعتبر نفسه مغربياً ولديه مرجعيات الشباب المغربي الاجتماعية والثقافية نفسها. ما ردكم على ذلك؟
إذا كان المغرب، كما یدعي، متأكداً من أن الأجیال الشابة الصحراویة ترغب في أن تكون مغربیة، فلماذا یخشى الاستفتاء؟ ولماذا یخشى بلد دیمقراطي متفتح مثل المغرب، كما یدعي البعض، من صنادیق الاقتراع، إن كان فعلاً متأكداً من أن الصحراویین مغاربة؟ ھذا كلام لا یستحق الرد. المشكلة لیست في وجود تشابه أو اختلاف بین المغاربة والصحراویین، المشكلة أننا ھنا نتحدث عن مجموعتین مختلفتین، تعتبران نفسیھما مختلفتین، وتتمتع كل واحدة منھما بمقومات وعناصر ذاتیة مغایرة للأخرى، رغم كل الروابط اللغویة، والدینیة، وحتى في بعض الأحیان التاریخیة أو الإثنیة. لكن ھذا الترابط لا ینفي أن كلاً منھما شعب مختلف عن الآخر، ولديه أرض تاریخیة یراھا أرضه وملك أجداده ولا علاقة لھا بالأخرى إلا بما بین الجیران من علاقات. وثانیاً، مَن الذي یقود مناھضة الاحتلال المغربي الآن في المناطق المحتلة في نظرك؟ جمیع القیادات المیدانیة للانتفاضة الصحراویة السلمیة الآن في المناطق المحتلة وفي جنوب المغرب، في الجامعات المغربیة وحتى في المدارس الإعدادیة والابتدائیة، صحراویون من موالید السبعینيات حتى الألفیة الثانیة، أي إنھم شباب وشابات ولدوا تحت الاحتلال المغربي، ودرسوا في مدارس المغرب وجامعاته، لكن النظام المغربي لم ینجح في إقناعھم بأحقیته في السیطرة على أرضھم، لذلك یقفون في وجهه، ویطالبون دون مواربة بحقھم في الاستقلال، لا في تقریر المصیر فقط. بالنسبة إليھم، تقریر المصیر أسلوب سیاسي وسلمي لحل النزاع، وھو مجرد وسیلة، أما الغایة الحقیقیة لھم جمیعاً، حسب ما یؤكدونه قولاً وفعلاً، فھي استقلال الصحراء الغربیة بنحو كامل، وتمكین الدولة الصحراویة من بسط سیادتھا على كامل التراب الصحراوي، وھي بالمناسبة للقراء العرب دولة قائمة الذات، وعضو مؤسس للاتحاد الإفریقي، وتجلس إلى جانب المملكة المغربیة في ھذه المنظمة القاریة نداً للند.

في ضوء التحديات الداخلية الكبرى التي تواجهها الجزائر، واستمرار رفض المغرب للاستفتاء، ولامبالاة الاتحاد الأوروبي حيال قضيتكم، هل تعتقدون أن ثمة إمكانية لتحقق مطالبكم؟
الشعب الصحراوي یقود الآن حرباً سیاسیة ودبلوماسیة وحقوقیة ضد المحتل المغربي، منذ أن توقف صوت المدافع بعد نجاح الأمم المتحدة في إقناع الطرفین بوقف إطلاق النار عام 1991. وبالنسبة إلينا، لا نعتقد أننا نخسر المعركة بتاتاً، من یخسر المعركة فھو من یتشنّج ویضطر إلى قتل النساء والأطفال لفرض سیطرته. أما الشعب الصحراوي، فھو یواصل كفاحه حضارياً، ولدیه ما یكفي من الحجج لدحض جمیع حجج الاحتلال. بالنسبة إلى الدعم الذي یتلقاه المغرب من بعض دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا، ولكن أیضاً من المؤسسات السیاسیة لھذا الاتحاد، فھو دعم یدین المملكة المغربیة، إذ یكشف عمالتھا وولاءھا لأسیادھا الأوروبیین الذین لم تتوقف یوماً عن خدمة أجنداتھم الاستعماریة في المنطقة. لذلك، إذا لاحظت الموقف الأوروبي، سترین أنه موقف متذبذب، وغیر مؤسس ولا متزن، حیث نجد من جھة أن القضاء الأوروبي، أي محكمة العدل الأوروبیة، تحكم لمصلحة الموقف الصحراوي، وتؤكد عدم ملكیة المغرب للسیادة في الصحراء الغربیة، فيما نجد من الجھة الأخرى أن السیاسیین الأوروبیین یفضلون تغلیب المصالح على المبادئ والقانون، وینتھكون قوانینھم وأحكام محكمتھم ذاتھا. إذاً، ھذا أمر نشاز، لكنه معروف في جمیع الأوساط السیاسیة الفاسدة، والبعیدة كل البعد عن العدالة والقانون، كما ھو حال أوروبا حالیاً. وینبغي الانتباه إلى أن أغلب الأنظمة الأوروبیة أنظمة عدوة، بشكل طبیعي، لحقوق الشعوب، وخاصة الشعوب المستعمَرة والمنھوبة والمستغَلة، رغم كل الشعارات الزائفة التي ترفعھا ھذه الدول، فھي من یقف دائماً خلف تدمیر الدول واستنزاف خیرات الشعوب. أما بالنسبة إلى الشعب الصحراوي، فلیس صحیحاً أنه یعاني من ضعف حلفائه الطبیعیین، فالجزائر تمرّ الآن بحراك شعبي صحي وتاریخي، وستخرج منه أقوى عشرات المرات بحول الله، لأن شعبھا قد أثبت للجمیع أنه أھل لرفع التحدیات، وأنه غیر قابل للتطویع، ولا للتطبیع مع القوى الاستعماریة، وأنه مصرّ على امتلاك زمام أموره بیدیه. ونحن، الصحراویين، فخورون أیّما فخر بأننا نستطیع القول جھاراً وعلى رؤوس الأشھاد إن الجزائر حلیفتنا شعباً وحكومة. أما عن تجاھل المنتظم الدولي للقانون، فھذا صحیح، لكنه صراع الإرادات. ھناك إرادة ترید تدمیر القانون الدولي، وترید فرض الاستعمار، والتدخل في مصائر الشعوب واستعبادھا، وبالمقابل، ھناك إرادة أخرى ترفض الخنوع، وتقاوم، ونحن فخورون أیضاً بأننا نقف في ھذا الخندق ضد الظلم، وضد الاستعمار، وضد استعباد الشعوب، وسنناضل بكل ثبات حتى تحقیق النصر.

نستطیع القول جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد إن الجزائر حلیفتنا شعباً وحكومة


أنتم متفائلون بالمستقبل إذاً؟
لا تستطیع أي قضیة، ولا أي واقع دولي، التغطیة إلى ما لا نھایة على كفاح شعبنا، لأننا متمسكون بحقوقنا كشعب، ولا نعوّل في الدفاع عنھا على أي أحد، قبل أبناء شعبنا بالأساس. القضیة الصحراویة لم تخبُ جذوتھا قط منذ السبعینيات، رغم كل المحاولات الغربیة والمغربیة لطمسھا، وإخمادھا، فھي حاضرة في جمیع المحافل الدولیة، ورغم أنف بعض الدول التي تریدنا میتین، ومھمشین ومستعمَرین. ینبغي للقارئ العربي أن یدرك أننا لم نواجه المغرب قط وحدَه، بل واجھنا من خلفه فرنسا، وبعض دول الخلیج، وبعض الدول الغربیة، وإسرائیل. ھذا ھو الحلف الذي وقف ویقف مع المغرب. لكننا ما زلنا واقفین، مصرّین على المقاومة، لأننا لا ندافع عن مطالب شخصیة، أو معيشیة، أو اقتصادیة، نحن في صراع وجود ضد من یرید نفي وجودنا، ولن ینجح في ذلك إلا إذا أبادنا عن بكرة أبینا. ھذه ھي الفرضیة الوحیدة التي یمكنه بھا أن ینجح معها في مرامه. لكننا مصممون على انتزاع حقوقنا، وسندحر الظالم الغاصب إن عاجلاً أو آجلاً، فكما قال زعیمنا الشھید الولي مصطفى السید، مؤسس جبھة البولیساریو رحمه الله: «معركتنا معركة أجیال، ومن یُرِد حقه، فلا بد أن یسخى بدمائه». والصحراویون أثبتوا عبر التاریخ أنھم شعب لا یخشى التضحیة والعطاء. ولعلّ أكبر دلیل، ھو استمرار النضال السلمي في الأرض المحتلة رغم الحصار البولیسي/ العسكري والإعلامي، ورغم القمع الوحشي والاعتقال العشوائي، بل حتى بعد إصدار محاكم الجور المغربیة لأحكام جد قاسیة وصلت إلى حدّ المؤبد لأبطال مجموعة «اكدیم ازیك»، كل ھذا لم ولن یثني بطلات الشعب الصحراوي وأبطاله عن مواصلة النضال والتضحیة من أجل الحریة والكرامة. المعركة معركة وجود، وتستحق منا كل التضحیات مھما كلف ذلك من ثمن.

رئيسة «تجمّع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان»