عوامل كثيرة أسهمت في ضبط إيقاع العلاقات الأميركية ــــ القطرية خلال العامين الماضيين. عوامل ليس أقلّها شأناً جهود اللوبي القطري في الولايات المتحدة، والذي نَشَط أخيراً بهدف إعادة الدفء إلى العلاقات، وتتويجها بزيارة «نوعية» للأمير تميم بن حمد. الأمر ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج لمساعٍ تراكمت على مرّ عامين، وتكثّفت عقب المواقف المتشدّدة التي اتخذها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضد قطر، مع بدايات الأزمة الخليجية. خلال هذه الفترة، وظّفت الدوحة عدداً من الشركات الاستشارية ــــ أو ما يسمى شركات الضغط ــــ من أجل المساعدة في تقوية العلاقات مع الحكومة الأميركية، كما جنّدت العديد من الأشخاص النافذين المقرّبين من ترامب، وضخّت الكثير من الأموال في إطار حملة العلاقات العامة التي شنّتها لتحسين صورتها، مركّزة بشكل خاص على إبراز «قيمتها الجيو ـــ استراتيجية» و«قدراتها الاقتصادية».ولئن كانت وسائل الإعلام الأميركية قد أشارت إلى أن قطر قد أنفقت، منذ عام 2017، 24 مليون دولار على الأقل على جهود الضغط في الولايات المتحدة، فقد أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن 16.3 مليون دولار قد أُنفقت في عام 2017 وحده، أي خلال عام «الحصار»، ما يعني زيادة عمّا مجموعه 8.5 ملايين دولار أنفقتها الإمارة الخليجية في عامي 2015 و2016، للهدف ذاته خلال عهد الرئيس باراك أوباما، وفقاً للملفات الفدرالية في شأن مدفوعات الوكلاء الأجانب المسجّلين. هذا فضلاً عن أن قطر وظّفت 23 شركة ضغط منذ حزيران/ يونيو 2017، بعدما كان عددها سبعاً فقط خلال عام 2016. وفيما أنفقت الإمارة جزءاً من أموالها على جماعات ضغط لها علاقات مع ترامب، صرفت جزءاً آخر في أروقة الكونغرس، في إطار مقاربة تستهدف التأثير على المشرّعين ومسؤولي الإدارة على السواء.
هكذا، قامت قطر بحملة ضغط غير تقليدية للفوز برضى رئيس أميركي غير تقليدي. وفي ما يُظهر إلى أي مدى غيّر ترامب قواعد اللعبة في صناعة النفوذ في واشنطن، اتخذت الحملة القطرية أشكالاً مختلفة من الترويج، عبر استعراض موارد كثيرة، مستفيدة في الوقت ذاته من الخطوات الناقصة التي اقترفتها السعودية في الآونة الأخيرة، إن كان في ما يتعلق بجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي أو بغيرها من الملفات، لا سيما قضية احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، واحتجاز الأمراء السعوديين في فندق الـ«ريتز» في الرياض. كلّها عوامل أدّت، بشكل أو بآخر، إلى إحداث تغيير في موقف إدارة ترامب تجاه قطر، بالاستناد بشكل أساسي إلى البعد المادي للعلاقة، الذي قد يتجسّد في جزء منه في الاستثمارات والوعود بالاستثمار في البنى التحتية الأميركية، إلى جانب العمل الذي قامت به اللوبيات القطرية. خلال الشهر الماضي، مثلاً، أمضى المسؤولون القطريون حوالى ثلاثة أسابيع بين واشنطن ونيويورك ليعقدوا اجتماعات مع المسؤولين الأميركيين والخبراء في معاهد الدراسات والأكاديميين، ممهّدين الطريق أمام زيارة تميم. وفي هذه الأثناء، كانت جماعات الضغط من «Debevoise & Plimpton» تعمل بالنيابة عن قطر. وقد أفيد بأن ممثلي الشركة التقوا بمستشار الأمن القومي، جون بولتون، قبل مغادرته إلى الشرق الأوسط، وفقاً لأحد سجلّات وزارة العدل. كذلك، نشرت قطر عدداً من الإعلانات المروّجة لدورها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، منتقية في أحيان كثيرة البرامج التي يشاهدها ترامب.
قامت قطر بحملة ضغط غير تقليدية للفوز برضى رئيس أميركي غير تقليدي


على مستوى المشاريع الاستثمارية القطرية، يشير موقع «ديلي بيست» إلى أن من بينها مشاركة القوات المسلّحة القطرية في تطوير طائرات المراقبة في كارولينا الجنوبية. لهذا الهدف، زار القطريون الولاية، حيث قابلوا مسؤولين، كان من بينهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرّب من ترامب، من أجل الترويج للمشروع. لكن ذلك لا يلغي أن الاستثمار في صناعة هذه الطائرة تفصيل بسيط في حملة قطر، وهو يأتي من ضمن استثمار مبالغ ضخمة في القطاعات الأميركية المختلفة، بما فيها العقارات والتكنولوجيا. وليس بعيداً عن تلك الغاية، أعلن رئيس صندوق الثروة السيادية في البلاد، في بداية العام، أن سلطة الاستثمار القطرية تخطط لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة إلى 45 مليار دولار، على مدى العامين المقبلين. إغداق ليس خافياً أن في خلفيته التنافس مع السعودية والإمارات، اللتين تملكان ترسانتهما الخاصة هناك أيضاً، إذ وفق وكالة «رويترز»، ضخّ كلّ منهما حوالى 25 مليون دولار خلال عام 2017. وكان جزء من جهودهما منصبّاً ضد قطر، في إطار الدفع باتجاه تصنيفها كدولة داعمة للإرهاب، الأمر الذي واجهته الدوحة عبر جماعات الضغط التابعة لها، والتي عملت لأجلها في أروقة الكونغرس بهدف إبعاد شبه مشروع قانون يصبّ في هذا المجال.
إنها «حرب اللوبيات» إذاً، والتي استدعى القطريون في إطارها جماعات الضغط الخاصة بهم للفوز في إحدى معاركها، مستهدفين 250 من أصحاب النفوذ المقرّبين من ترامب، سعياً لتغيير السياسة الأميركية، بحسب «وول ستريت جورنال». وفي هذه الحرب، استعانت الحكومة القطرية بوزير العدل الأميركي الأسبق، جون أشكروفت، ليقدم لها المشورة القانونية في شأن القوانين الدولية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، في ظل الاتهامات التي تواجهها في هذا الإطار. وكشفت وثائق قدمتها شركة محاماة أشكروفت إلى وزارة العدل، وفقاً لقانون الكشف عن المعاملات مع الهيئات الأجنبية، أن قطر دفعت 2.5 مليون دولار للشركة خلال 90 يوماً.
وفي تموز / يوليو 2017، استعانت قطر بـ«Avenue Strategies»، وهي شركة ضغط يقودها مستشار حملة ترامب الانتخابية السابق باري بينيت، ما أدى إلى توقيع عقد مع الشركة بحوالى 6 ملايين دولار في العام، بحسب سجلّات الشركة. ولكن التقارير الصادرة عن وزارة العدل أظهرت أن هذا الأخير استخدم الأموال القطرية من أجل منح 100 ألف دولار إلى «المنظمة الصهيونية الأميركية»، وهي مجموعة داعمة لإسرائيل كانت من المشكّكين في مزاعم قطر عدم تمويلها الإرهاب. بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد زار مدير المنظمة، مورتن كلين ـــ المقرّب من أبرز مستشاري ترامب ـــ، الدوحة. إلا أنه أعاد الأموال بعدما علم أنها جاءت من قطر. مع ذلك، خرج كلين بفوز آنيّ، تمثّل في وعود من المسؤولين القطريين بإلغاء فيلم وثائقي على قناة «الجزيرة» ينتقد أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، وإبعاد الكتب المعادية للسامية من معرض الكتاب في الدوحة، إضافة إلى العمل على إطلاق سراح الإسرائيليين المختطفين.