دمشق | تسير حياة المدينة وسكانها وفق خريطة القذائف التي تتساقط على بعض أحيائها. تحويلات الطرق باتت السمة الأساس في قلب الشام التي يندر أن يخلو شارع من شوارعها من مركز حكومي. كل الطرقات تتغير وقد تغلق في لحظة، فيما الموت وحده ثابت. بعض الشوارع استقالت من وظيفتها، وجلست تحتضن السواتر الاسمنتية المسلحة كما في ساحة كفرسوسة أمام جريدة «الثورة» الحكومية. هناك، كانت تخرج تظاهرات من مسجد الرفاعي، على بعد أمتار من إدارة «أمن الدولة». الساحة اليوم شبه مغلقة.
قبل عسكرة الصراع، كانت بعض ساحات دمشق تعجّ بالمسيرات التي كانت تنظمها القوى الموالية مثل ساحة الأمويين. في المقابل، كانت ثمة ساحات مرّت منها تظاهرات «طيّارة» للمعارضة، كما في ساحة عرنوس قرب شارع الحمرا وساحة الشاه بندر على بعد أمتار من وزارة المالية. في ساحة السبع بحرات، ألغي المدخل القريب من مصرف سوريا المركزي حتى إدارة التجنيد العام، وصولاً إلى جامع الإيمان الذي اغتيل فيه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وتحولت الساحة الشهيرة إلى نصف دائرة، زاويتها المطلة على شارعي العابد و29 أيار تشرف عليها سيارة «مكافحة الإرهاب» مع عناصر أمنية تمسك بمفارق الطريق، لتأمين سيارات أعضاء مجلس الشعب قرب بوابة الصالحية أمام مقهى الروضة.
«في ساعات معينة نشدّد التدقيق في اتجاه ساحة المحافظة، لا نقلق كثيراً، حامية البنوك مدربة جيداً، لكن العبوات الناسفة قد توضع في أي سيارة، ولا يمكن العثور عليها دائماً»، يقول مهيار، أحد عناصر حواجز المشاة أمام ساحة السبع بحرات.
في ساحة المحافظة، ينتصب تمثال وزير الحربية السابق الشهيد يوسف العظمة فوق بركة فارغة من المياه، يمدّ نظره إلى ساحة سكة الحجاز. وعند تقاطع الطريق هناك، أمام عربة جمال باشا السفاح، يخبرنا ماسح الأحذية أنّه «نفد بريشه من قذيفة هاون استهدفت مبنى البريد مؤخراً، إذ أنقذه ذهابه للطعام، فأكل صديقه القدر ومات قرب صندوق البويا».

خاصرة الريف الدمشقي

ساحة العباسيين، غرب دمشق، خاصرة الريف، مدخل حيّ جوبر المشتعل مغلق تماماً. تلمع أسماء خلفاء العصر العباسي وقد نقشت باللون الذهبي على رخامة وسط الساحة. لم يعد للتاريخ هنا أثر: «يعتقد كل من يقاتل لأجل قناعته بأنه ملك الساحات! بينما نرى أن العبث وحده يحكم معظم مخازن الرصاص ويأمر الزناد بالإطلاق»، يروي أحمد حبوب، الشاب الجامعي الذي ينتظر في باص النقل الداخلي.
البلاط الأسود الذي يرصف دوّار ساحة المرجة يشبه كل شيء في هذه البلاد.
هنا استهدف انتحاريون، في مرتين متتاليتين، مبنى وزارة الداخلية القديم، وفي مرة ثالثة قسم الانضباط على كتف بناء العابد التاريخي. «كانت ساحة المرجة مزاراً لأهل المحافظات البعيدة، اليوم صارت لأكياس الرمال والحواجز والخوف والمهجرين»، يختصر «الساعاتي» أبو طارق الواقف عند إحدى زاويا المرجة، مترحّماً على «أيام زمان».
الشوارع الفرعية تغصّ بالبسطات والعناصر الأمنية، فيما يدير أطفال التسوّل دفة النهار، على أمل الحصول على الليرات والطعام من المارة. هي الحال نفسها في ساحة باب مصلّى حيث يقع فرع الأمن الجنائي. ألغي دوّار الساحة وارتفعت جدران وسطها لحماية الفرع، ولم تبقَ سوى طريق واحدة للذهاب والإياب، بالكاد تتسع لسيارة.
السياسة في واد والحياة اليومية في جحيم آخر. يتحدث التجار عن انقلاب مباغت للأسعار، بينما يعرض التلفزيون السوري اعترافات لمتلاعبين بأسعار العملات الأجنبية.
البعض يصرّ على الحواجز مبرراً: «أن تتحول العاصمة إلى مربعات أمنية متداخلة، وأن تصبح الحواجز أكثر من إشارات المرور أفضل من أن تبقى في مرمى قذائف الهاون»، يقول أبو زهير، بائع العصير قرب باب
مصلى.