وعقب سقوط البشير في 11 نيسان/ أبريل، حاول «حميدتي» تحسين صورة قواته، عندما كان لا يزال ضمن منظومة النظام، فأعلن انحياز «الدعم السريع» إلى الحراك الشعبي، أثناء تولي عوض بن عوف رئاسة المجلس العسكري، والذي اعتبره الحراك من رموز النظام البائد. لكن بمرور الأيام، بدأت تتكشف لدى الشارع علاقات الرجل الإقليمية وأبعاد أطماعه السياسية، إلى جانب ما قامت به قواته من عنف وانتشار مسلح لم تشهده الخرطوم من قبل، دفع إلى تعالي الأصوات المطالبة بإخراج هذه القوات من العاصمة.
لا تؤثر هذه الممارسات على فرص وجود «الدعم السريع» في القوات المسلحة فحسب، بل على وجود «حميدتي» في المعادلة السياسية المقبلة. يرى الكاتب الصحافي، عبد الله رزق، أن الحديث عن قوات «الدعم السريع» ينبغي أن يكون مربوطاً بظروف نشأتها نتيجة صراع دارفور، الذي أثر في تكوينها القبلي، باعتبارها ميليشيا تنتمي إلى القبائل العربية ضد قبائل الزرقة، إضافة إلى وجودها خارج مظلة القوات المسلحة النظامية. ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، إن «تطورات الوضع في السودان بعد 11 نيسان/ أبريل 2019 جعلتها جزءاً من التكوين العسكري الذي يحكم السودان، من دون أن يكون هناك ترتيب مسبق أو برنامج لهذه القوات»، مؤكداً أن «الانتقادات التي أصبحت تُوجّه إلى قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة، وصور فض اعتصام القيادة العامة التي نشرت، والاعتقاد السائد بأن هذه القوات هي من قام بالمجزرة، أصبحت تؤثر على صورتها وعلى مكانة قائدها، الذي ظل يطرح نفسه باعتباره القائد القادم للبلاد». وبحسب عبد الله، فإن «ما قامت به قوات الدعم السريع أخيراً جعل حميدتي يتحدث في مخاطباته الشعبية عن أن قواته تعرضت لفخ في قضية فض الاعتصام، وأن هناك مندسين يريدون تشويه صورتها».
تنعكس ممارسات «حميدتي» على وجوده في المعادلة السياسية المقبلة
وليس فض الاعتصام سوى نتيجة لعدم انضباط قوات «الدعم السريع»، بحسب ما يرى المحلل السياسي حاج حمد، الذي يصفها بأنها قوات «تميل إلى العنف خارج نطاق القانون»، مشبهاً إياها بـ«قوات الاحتلال الإسرائيلي». ويلفت حمد، في حديث إلى «الأخبار»، إلى وجود «عربات الدعم السريع المحملة بالأسلحة الثقيلة بطريقة عشوائية في شوارع الخرطوم»، قائلاً إن «هذا المظهر يعتبر متخلفاً، ويشير إلى احتلال وليس إلى حماية». ويضيف: «بهذا السلوك الهمجي سيخسر (حميدتي) الدعم الذي وجده أيام الثورة الأولى»، مشدداً على ضرورة «احترام (دقلو) للقانون إذا كان يريد التحول إلى شخص فاعل في بناء الدولة»، لكنه يبدي خشيته من أن «يتحول حميدتي إلى بطل قومي جاهل»، معتبراً الممارسات التي تقوم بها هذه القوات بغرض تخويف المواطنين «فكرة ساذجة لأن السودانيين جبلوا على التحدي».
بدوره، يشير الخبير في الشأن العسكري، القائد الأسبق للقوات المسلحة، الفريق محمد بشير سليمان، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «اتهام قوات الدعم السريع بمجازر فض الاعتصام أعاد إلى الناس صورة جرائمها في دارفور»، متابعاً أن «حميدتي صنيعة الرئيس المعزول عمر البشير، وهو مولود من رحم الجنجويد»، وأن «الرأي العام المحلي والدولي له رأي سلبي بهذه القوات، باعتبارها مارست القتل في دارفور». ويعتبر أن «حميدتي، من موقعه كنائب رئيس للمجلس العسكري، حاول أن يكون رجل الثورة من خلال مقابلة قوى داخلية وخارجية، لكن الأفعال لم تواكب الأقوال، إذ حوَّل الخرطوم إلى معسكر لقواته، في حين أن هناك أسساً وقواعد للأمن الداخلي، تتم باستخدام أقل قوة ممكنة، لذلك رفض المواطنون هذا السلوك». ويتساءل: «إلى من تُوجّه هذه القوة؟ هل للمتظاهرين الذين يريدون تحقيق أهداف الثورة؟ أم أن هناك تهديداً آخر لا نعلمه؟». ويحذّر سليمان من «وقوع اشتباكات بين الجيش والدعم السريع مستقبلاً» في ظل «ضبابية المشهد السياسي والأمني في السودان، التي تمثلت في عدم تحقيق أهداف الثورة بتسليم السلطة إلى المدنيين، وأدت إلى توجيه الهجوم إلى قيادة المجلس العسكري ونائبه».
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله آدم خاطر، أن السودان يعيش مرحلة تحوّل «سياسي وعسكري وفكري وإعلامي غير طبيعي». من هنا، يعرب عن اعتقاده بأن «قوات الدعم السريع وقائدها لا بد أن تكون جزءاً من التفاوض حول وسائل الانتقال وإعادة بناء الدولة وفق إطار دستوري»، مضيفاً إن «أي استعجال لفض الشراكة مع طرف ساهم في إسقاط النظام سيكون سابقاً لأوانه».