عمّان | غابت كاميرات الإعلام التي كانت تترصّد الداخلين إلى سوريا والخارجين منها عبر معبر نصيب في الأيام الأولى لإعادة افتتاحه. غابت أيضاً بهجة الأهالي ورجال الأعمال وشركات الشحن، وبقيت قائمة السلع الممنوع استيرادها من سوريا عائقاً حقيقياً أمام عودة الحركة التجارية البينية كما كانت عليه سابقاً على خط عمّان ــــ دمشق. القائمة الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة، والتي وُزّعت على التجار وأهم المستوردين والمصدّرين وتم تعميمها على المعبر، هي في الواقع قائمتان: الأولى تشمل نحو مئتي منتج زراعي، والثانية نحو ألفي سلعة، تتضمن المواد الأولية ومواد البناء بشكل خاص.
تصميم: سنان عيسى

يعلّق أمين سر «نقابة أصحاب شركات ومكاتب التخليص ونقل البضائع في الأردن»، جمال بشابشة، على ذلك بقوله إنه «لا شيء يتم استيراده بشكل فعلي. الأصناف المسموحة لا يتم استيرادها من سوريا أصلاً... أما السلع غير المدرجة فممنوع استيرادها، ويجب على التاجر مراجعة وزارة الصناعة والتجارة للحصول على رخصة استيراد». ويلفت بشابشة إلى أن «تنفيذ الحصار عبر الأردن تسبّب في ضرر كبير للتاجر الأردني الذي انتظر استقرار الأوضاع فترة طويلة». هكذا، انتصبت الجدران الأميركية، سريعاً، أمام منفذ اقتصادي شكّل تفعيل العمل فيه لأهالي البلدين فسحة أمل، لكن ذلك لم يسهم في تحسين النسب عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، حيث انخفضت الصادرات الأردنية إلى سوريا مثلاً ما بين عامي 2011 و2017 بنسبة 80%، فيما انخفضت المستوردات السورية إلى الأردن خلال الفترة نفسها بنسبة تجاوزت 82%. وبشكل عام، عانى الميزان التجاري الأردني طيلة تلك السنوات عجزاً في التبادل التجاري مع سوريا، ولكن المفارقة كانت في عام 2015 عندما شهد الميزان التجاري فائضاً بقيمة تقريبية وصلت إلى نحو 36 مليون دولار، مع أن معبر نصيب «كان تحت سيطرة الجماعات المسلحة» في ذلك الوقت.
ما تظهره الأرقام هو حصيلة التأثر بالسياسة الأميركية المعتمدة تجاه سوريا، بحسب ما تقول لـ«الأخبار» الأمين الأول لـ«حزب الشعب الديمقراطي الأردني» (حشد)، عبلة أبو علبة، لافتة إلى أن «سوريا تتعرّض لحصار اقتصادي من أجل استمرار الاستنزاف والإنهاك لإخضاع القرار الرسمي السوري لمتطلبات المشروع الاستعماري الجديد في المنطقة». وتضيف أبو علبة أنه «لم يكن ممكناً أن تستمر الحرب التدميرية في سوريا لولا توافر الظروف الإقليمية والعربية المناسبة، ولا تزال هذه الظروف قائمة حتى الآن». وحول تهديدات الملحق التجاري الأميركي، تشير إلى أنه «صدرت عن الإدارة الأميركية تهديدات واضحة وفاضحة ضد كل من يتعامل تجارياً مع سوريا، وعلى رأس المواد المحظور التعامل فيها مصادر الطاقة: الكهرباء والبترول، هذا مع العلم بأن الأردن يستطيع أن يبيع كهرباء فائضة عن حاجته لسوريا»، معتبرة أن «التدخلات الأميركية في السياسات الداخلية الأردنية والعربية تجاوزت السيادة الوطنية، وشكّلت انتهاكاً لحق أي دولة في صياغة علاقاتها وسياساتها، وفي الوقت نفسه فإن الاستجابة الرسمية لهذه الضغوط ستؤدي إلى تدمير مقومات السيادة الوطنية».
لم يسهم فتح المعبر في تحسين النسب عمّا كانت عليه خلال السنوات الماضية


وعلى رغم أن القطاع الاقتصادي الأردني استقبل فتح معبر نصيب باهتمام بالغ، حيث بادر وفد تجاري وصناعي أردني كبير إلى زيارة سوريا، وأتمّ الاتفاق على إزالة العوائق التي تقف في طريق تعاون البلدين اقتصادياً، والاستفادة من مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، إلا أن الضغوط الأميركية واستجابة الحكومة لها شكّلت عائقاً أمام تحقق المرجوّ. وفي هذا الإطار، يرى الناشط السياسي والباحث الاقتصادي الأردني، فهمي الكتوت، أن «الحكومة الأردنية انخرطت في سياسة الحصار على الشقيقة سوريا استجابة للدعوة الأميركية، من خلال التضييق على التجار الأردنيين، ومنعهم من استيراد بعض السلع السورية». ويبيّن الكتوت أن الأمر لم يقتصر على هذا الحدّ، «بل سمحت الخارجية الأردنية للملحق التجاري الأميركي في عمّان باللقاء مع مجموعة من التجار الأردنيين، وتحريضهم على الدولة السورية».
لكن جمال بشابشة يجد مبررات أخرى لـ«التبادل التجاري الضعيف»، إذ يعتبر أن «التشديدات الأمنية التي يفرضها الأردن مفهومة، ومن الطبيعي أن يتم التعامل بهذا المستوى من الحذر مع أي دولة فيها حرب، والأمر ذاته موجود مع العراق مثلاً، لا سيما في ظل ضبط كميات كبيرة من المخدرات القادمة من الأراضي السورية، إضافة إلى السلاح». مع ذلك، يعتقد بشابشة أن «السوريين أجرأ من الأردنيين في اتخاذ القرار، وهم منفتحون على الحلول أكثر من الجانب الأردني الذي يربط أي مبادرة أو حلّ بالسياسات العليا في المملكة، في مرحلة لا يريد أحد فيها أن يوتّر العلاقات مع واشنطن». وإذ يلفت إلى أن «الحكومة السورية فرضت منذ فتح المعبر مع الأردن رسوماً عالية على الشاحنات سواء السورية أو العربية أو الأجنبية تصل إلى نحو 1500 دولار، فيما فرض الأردن قيوداً تنظيمية تتعلق بطريقة تنظيم الطرود وتوضيبها، ما يصعّب المهمة على السوريين وهم في حرب، والأمور غير مستقرة»، فهو يؤكد أن «الحكومتين الأردنية والسورية مقصّرتان في حل الأمر، ولا توجد مبادرة من أي طرف».