ريف دمشق | تبدأ عملية «تسوية أوضاع» المسلّحين عادةً في مستهلّ الإعداد لأيّ تسوية أو مصالحة، في ريف دمشق. في البداية يلجأ الوسطاء، وجهاء الأحياء أو لجان المصالحة الوطنية، إلى تقديم قوائم بأسماء عشرات المسلّحين إلى ضباط الجيش المسؤولين عن ملف التسويات، الذين يقومون بوضع تصور لمصير هؤلاء في حال تسليم أنفسهم للجيش، لتنتقل العمليّة بعد ذلك إلى حيّز التنفيذ. وتأتي عادةً هذه الخطوة كعربون لجديّة التسوية، بالنسبة إلى الطرفين، وكمقياس لنفوذ الوسطاء. وعلى أساس نجاح الخطوة الأولى يتحدّد نجاح باقي الخطوات، ومنها تسوية أوضاع من تبقّى من المسلّحين الذين غالباً ما يحتفظون بأسلحتهم الخفيفة، تحت قيادة «جيش الدفاع الوطني»، الذي يتبع بدوره لقيادة الجيش السوري.
بضعة آلاف من المسلّحين تمت تسوية أوضاعهم في ريف دمشق، وعلى مراحل: أكثر من 500 في ببيلا، ومثلهم في بيت سحم، في الريف الجنوبي لدمشق. 500 مسلّح من مضايا، في الريف الشمالي الغربي، سوّيت أوضاعهم دفعة واحدة. أكثر من 150 مسلّحاً تحوّلوا إلى «لجان شعبية»، أو ما بات يعرف بـ«جيش الدفاع الوطني» في قدسيا، شمالي دمشق. نحو 20 زعيم مجموعة مسلّحة في برزة، شمالي شرقي دمشق سوّيت أوضاعهم في مركز «الدفاع الوطني» في المزّة، كممثلين لكلّ مسلّحي برزة الذين يقدّر عددهم بالمئات. سيناريو شبيه تكرّر في المعضمية وفي الغوطة الغربية مع مئات المسلّحين.
مساعي المصالحة في ريف دمشق سبقت نجاحها بكثير، في العديد من المناطق، فهي لم تنجح في السابق بسبب «عدم تبنّي القيادة السياسية لها في ما مضى»، يقول ناشط معروف في مجال المصالحات، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار»، ويضيف: «في الحقيقة، بدأت التسويات في ريف دمشق ككمائن نصبتها بعض الأجهزة الأمنية للمسلّحين. الكثير من المسلّحين الذين أقنعناهم بالعودة إلى الصف الوطني، قامت بعض أجهزة الأمن بالإيقاع بهم، واعتقالهم»، الأمر الذي أثّر في صدقية كل لجان المصالحة الوطنيّة، سواء تلك التابعة لوزارة المصالحة الوطنيّة، أو التي نشأت بمبادرات شعبية، و«راح بسبب ذلك العديد من الشهداء من لجان المصالحة الوطنيّة، الذين اغتالهم المسلّحون انتقاماً بسبب ما جرى». إلا أن «الفرج» جاء عندما بدأ ضباط من «الحرس الجمهوري» بالاتصال بلجان المصالحة، بتوجيه من «القيادة السياسية»، لبحث إمكانية إنجاحها، بعدها بدأ عقد المصالحات ينفتح.
حاورت لجان المصالحة قادة المسلّحين من أبناء الأحياء التي عقدت فيها التسويات، وهؤلاء بدورهم تولّوا الحوار مع المسلّحين الغرباء لإخراجهم من الأحياء. يقول الشيخ أنس الطويل، الناشط في المصالحة من ببيلا، لـ«الأخبار»: «لدينا مبادئ في المصالحة، أوّلها أن لا حوار مع المسلّحين الأجانب». في كل تجارب التسوية في ريف دمشق، كان الخلاف في المواقف من التسوية ينشب بين المسلّحين المحليين والغرباء. يقول ربيع مصطفى، مسلّح من ببيلا، لـ«الأخبار»: «نتيجة الاتصال مع الوجهاء، قبل أشهر، جاءتنا تحذيرات من المقاتلين السعوديين والتوانسة والليبيين، إضافة إلى بعض المسلّحين السوريين، من جبهة النصرة، من المضي في الحوار مع لجان المصالحة التي وصفوا أفرادها بالشبيحة»، هذا الأمر أثار استياء المسلّحين من أبناء ببيلا، فلم «يقبل أحد منّا أن ينعت شيوخ البلدة ورئيس بلديتها ووجهاءها بهذه الأوصاف». في المرحلة التالية، لجأ الغرباء إلى لغة «العقل»، بعدما أقلعت التسوية، فحذّر هؤلاء من أجهزة الأمن، مستذكرين العديد من حوادث الإيقاع بالمسلّحين. إلا أن الوجهاء بالتعاون مع الضباط المسؤولين عن هذا الملف كانوا قد أخذوا هذه المسألة في الاعتبار، «فوافقوا على احتفاظ المسلّحين بالأسلحة الخفيفة، بل وتسلّم راتب شهري من الدفاع الوطني، لكوننا أصبحنا عناصر فيه». تفاصيل التسويات جاءت مقنعة للمسلّحين المحليين، ولمن تبقّى من أهال في أحياء برزة وببيلا وبيت سحم والمعضمية وقدسيا ومضايا والزبداني ومخيّم اليرموك، الذين بدأ الجوع يفتك بهم، ولم يكن لديهم أيّ ثقة بجدوى المواجهات العسكرية. هذا الأمر وضع المسلّحين الغرباء، في الدرجة الأولى من «جبهة النصرة»، أمام خيارين، إما الدخول في مواجهة مع الأهالي والمسلّحين المحليين أو الانسحاب. و«بالرغم من أن الأمر حسم باتجاه الخيار الثاني، لم يمنع ذلك الغرباء من تسجيل موقف ضدّ التسويات، كلٌ على طريقته. فهناك من هدّد بالقصاص بعد النصر، وهناك من اختار توقيت الانسحاب في لحظات عسكرية غير ملائمة، لكي يربّي من طالبوا بانسحابهم، وهناك من سجّل موقفه باغتيال أشخاص شاركوا في الدعوة إلى التسوية». لا يخشى مسلّحو التسويات من أيّ ملاحقة أو انتقام من الأجهزة المتشدّدة في الدولة، يقول محمد المعضماني (اسم مستعار)، مسلّح من المعضمية، لـ«الأخبار»: «الدولة جادة في التسوية. واقتناعي هذا لم يأت من الوعود، أو الضمانات الشفهية والمكتوبة، بل من كون التسوية عملية متكاملة»، ويشرح العملية بأنها تشتمل على: التحديد الوظيفي للمسلّحين، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وعودة الأهالي إلى الأحياء، والمواكبة الإعلامية للحدث. ويضيف: «تبدو التسوية جادة من شكلها. فمن الواضح أن الضباط المسؤولين عنها (الحرس الجمهوري) لديهم توجيه من «أعلى» بالتعامل على نحوٍ حسن معنا». وبالنسبة إلى محمد يمكن مجابهة حتى أسوأ الاحتمالات، «فالسلاح لا يزال على جنبنا» وفقاً لبنود التسوية، كي يحمينا من أي طرف متشدّد، سواء كان من الغرباء أو «النصرة»، أو حتّى من الطرف الآخر.
ومن المفارقات أن «تسوية الأوضاع» شملت بعض المدنيين، أو العاجزين عن حمل السلاح. أحد هؤلاء شاب يدعى رمضان حجازي، من داريا، يعاني من شلل في يده اليسرى. انتقل من داريا إلى المعضمية لدى سماعه بالتسوية، أملاً بالخروج من المنطقتين. يروي رمضان قصته لـ«الأخبار»، مبتسماً: «ذهبت مع دفعة من المسلّحين إلى المزّة، وتحاورنا هناك. وأسوة بغيري، تعهّدت بعدم توجيه السلاح الذي لم أستخدمه يوماً إلى الدولة». رمضان يقيم اليوم في جديدة الفضل، ويستبعد تعرضه للخطر، فهو لا يزال على تواصل مع «الأوادم» من الضباط المسؤولين عن الملف ولجان المصالحة الوطنية. ويلفت المطلعون على تفاصيل معظم التسويات إلى أن مفهوم المسلّح في التسوية يشمل كل الذكور بين 15 و55 عاماً، لكون مسألة التحقيق لمعرفة هوية من حمل السلاح هي فعلاً مسألة معقّدة وتستغرق وقتاً طويلاً.



«داعش» يفشل في خرق هدنة ببيلا

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع المقرّبة من تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، أمس، صورة ظهر فيها علم «الدولة» مرفوعاً فوق مبنى بلدية ببيلا في ريف دمشق، والتي شهدت مصالحة بين الجيش ومسلحي المعارضة قبل أيام. ونشر التنظيم بياناً صادراً عن «ولاية دمشق» جاء فيه: «رفعنا راية التوحيد ودسنا راية الشرك»، بعد أن أعلن عناصر «الدولة الاسلامية» رفضهم للمصالحة التي وصفوها بـ«الخيانة». لكنّ مصدراً ميدانياً قال لـ«الأخبار» إن «بعض المسلحين المتشدّدين الذين خرجوا من مخيم اليرموك توجّهوا الى ببيلا معترضين على المصالحة»، مضيفاً: «فشلت مساعي هؤلاء الذين حاولوا لساعات إحداث حالة من التوتر». وأشار المصدر الى أن «تلاسناً حصل بين المسلحين والاهالي، وسرعان ما تمّ طرد المسلحين من البلدة».