«مديح الجيش، وترشيح غير محسوم» هي الخلاصة التي خرجت بها تحليلات الصحف الجزائرية غداة خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ففي بيانه الأخير، حاول الرئيس الجزائري وضع حد للتسريبات التي أشارت إلى وجود «حرب أجنحة» في الحزب الحاكم ونزاع غير مسبوق بين الأخير ومؤسسة الجيش، وذلك على خلفية الانتخابات الرئاسية.
وتساءلت صحيفة «الجزائر تايمز»: «هل خطاب بوتفليقة عن طريق جريدة، هل هو استسلام لجناح المخابرات أم اتفاق بين صنّاع القرار؟»، وهو ما رأت فيه صحيفة «الخبر» محاولة لإزالة التوتر السياسي نتيجة التصريحات المتضاربة بين رجالات الحكم حول الانتخابات وإدارة الأجهزة العسكرية في البلاد.
من جهته، رأى الصحافي فتاح بوروينة أن «هذا الخطاب لا يغير الأوضاع الداخلية التي تعاني اهتزازاً لن يمرّ وقت طويل حتى تظهر ارتداداته على الأرض». وقال إن «الأوضاع الداخلية في الجزائر تتطابق وتكوينها الجيولوجي، كلتاهما زلزالية التكوين وغير مستقرة». وأوضح أن فكر «المؤامرة الخارجية يعود من جديد وبوتفليقة ينتصر لعمل جهاز المخابرات وليس لرئيسه».
وفي موقف لافت، دقّ رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش ناقوس الخطر، ودعا الجيش إلى إيجاد حل لأزمة خلافة بوتفليقة. وأقرّ بأن البلاد تعيش مرحلة صعبة، بصرف النظر عن ترشح بوتفليقة من عدمه. وأوضح أنّ من الضروري احترام وضمان مصالح الجماعات والمناطق والأقليات لتشهد الجزائر استحقاقات في جو من الطمأنينة والانضباط، مثلما هو من الضروري أن تحترم الدولة كل الحقوق والحريات، وأن ذلك شرط أساسي لضمان الأمر وتعزيز المكتسبات، وتصحيح الأخطاء.
فحزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة، شهد في الأيام الأخيرة حرباً كلامية بين أعضائه الذين انبرى بعضهم للدفاع عن مدير المخابرات محمد مدين، المكنى بالجنرال توفيق، رداً على هجوم الأمين العام للجبهة عمار سعداني المقرب من رئيس البلاد.
في المقابل، وقفت بعض قيادات الجبهة إلى جانب سعداني الذي كان قد اعتبر أن هدف الجنرال توفيق هو منع بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ 1999، من الترشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات المقررة في 17 أبريل المقبل.
وسبق هذا النزاع بين أعضاء الحزب الحاكم، على خلفية العلاقة المعقدة بين السلطة والجيش، قيام الرئيس الجزائري في أيلول الماضي بسلسلة من التغييرات في قيادة المخابرات، جرد بموجبها جهاز المخابرات من صلاحيات مهمة. وفيما أجمعت الصحافة الجزائرية على أن هذا النزاع يأتي على خلفية السباق إلى القصر الرئاسي، أصر بوتفليقة كما في بيانه السابق، بعد سقوط طائرة عسكرية، على عدم حسم موقفه من الترشح إلى الانتخابات الرئاسية،
بل زاد الأمر غموضاً حين قال: «يأبى علي التزامي بمسؤولياتي إلا أن أتوجه إلى كافة الشعب الجزائري المتأهب لانتخاب رئيس له من بين المرشحين، لأعرب له عن تمام ثقتي بنضجه وتبصره وقدرته على الاختيار السديد...».
فسعداني، الذي اعتبر البيان بمثابة «صافرة الحكم» الموجهة للجميع دون استثناء عسكريين ومدنيين، رأى فيه أيضاً رسالة من بوتفليقة لـ«تطمين العسكريين والمدنيين قبل إعلان ترشحه»، حسب ما نقلت عنه صحيفة الشروق الجزائرية.
وفي خطوة اعتبرت بداية تصدع في العلاقة بين قطبي السلطة في الجزائر، الجيش وجبهة التحرير، هاجم سعداني المقرب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل يومين أحد أبرز الجنرالات في البلاد، وطالبه بالاستقالة واتهمه بـ«التقصير» في مهمات حماية البلد والتدخل في كل مفاصل الدولة. إلا أن الرد جاء أمس من داخل الحزب الحاكم نفسه، ما ينذر ببوادر أزمة قد تنسحب عى الانتخابات الرئاسية.
من جانبه، رأى العضو المؤسس في حركة «رشاد» الجزائرية المعارضة الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت في تصريحات لصحيفة «النهار» أن أهم ما جاء في كلمة الرئيس بوتفليقة هو اتجاهه لإعلان عدم الترشح لولاية رابعة.
ورأى أن الرسالة الأساسية التي حملها خطاب رأس النظام في الجزائر يوم الثلاثاء، هو أنه أوحى باتجاهه إلى عدم الترشح للعهدة الرابعة إذا بقي الصراع على أشده يتهدد الجميع، وهذا تهديد للمناوئين له بأنهم إذا ظلوا يعارضونه فإنه سيبتعد ويترك البلاد للفراغ؛ لأنه يعتبر نفسه الضامن لاستقرار البلاد، وهذا من شأنه أن يزيد من حدة الصراع الذي اعترف بوتفليقة نفسه به وتحذيره من أن يستغل ذلك من سمّاهم الذين يغيظهم وزن الجزائر ودورها في المنطقة، وهو تأكيد على أن صراع الأجنحة الحاكمة في الجزائر بلغ أشده وينذر بانزلاقات خطيرة».
(الأخبار)