لم تكسر المعارك المتقطعة التي تدور على أطراف «جيب إدلب»، ولا القصف الجوي والمدفعي المتكرر، حالة الجمود التي يعيشها الميدان حالياً. يمكن بيان ذلك عبر رصد التغيرات الطفيفة التي طرأت على خطوط التماس منذ وقف عمليات الجيش في وسط سهل الغاب، قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. الاستعصاء الذي شهدته خطوط موسكو ـــ أنقرة، لا سيما بعد فشل الحراك الميداني التركي في محيط تل رفعت، تردّد صداه في باقي زوايا المشهد السوري؛ فغاب الحديث عن مسار نقاشات «المنطقة الآمنة» المفترضة في شرقي الفرات، وخَفَت نشاط المبعوث الأممي غير بيدرسن، بعدما كان في أوجه عقب لقاء «أستانا» الأخير. ويمكن استشراف واقع «المسار السياسي» المتعثّر من خلال ما رشح عن «هيئة التفاوض» المعارضة، في ختام اجتماعها أمس (انعقد لثلاثة أيام) في الرياض، والذي لخّصه رئيس «الهيئة»، نصر الحريري، بالقول إن «العملية السياسية توقفت»، مُحمِّلاً الحكومة السورية والجانب الروسي مسؤولية ذلك. أمام هذا المشهد، تواصل روسيا جهودها الديبلوماسية تحضيراً للاجتماع المقبل في «أستانا»، عبر زيارة إقليمية بدأها المبعوث الرئاسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، من العراق ولبنان، وستحمله إلى سوريا والأردن خلال الأيام القليلة المقبلة، مع احتمال تمددها إلى دول أخرى لاحقاً. وعلى رغم تعثر تأليف «اللجنة الدستورية»، تجهد موسكو للاستفادة من حضور العراق والأردن ولبنان، في العاصمة الكازاخية، في دفع باقي الملفات التي يناقشها الاجتماع، وعلى رأسها عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
شدّد المعلم على أن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون مسؤولية دولية

وفي ضوء الجهود الروسية، برزت أمس زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى الصين، ولقاؤه هناك نظيره الصيني وانغ يي، بحكم انخراط الصين الفاعل في الملف السوري. المعلم أكد أن بلاده مستمرّة في حربها في إدلب ضد جماعات يصنّفها «العالم كلّه... إرهابية». وأشار في الوقت نفسه إلى أن دمشق «لا تسعى في المبدأ إلى مواجهة» مع الجيش التركي هناك، موضحاً هذه النقطة بالقول إن الجيش السوري «يقاتل الإرهاب في إدلب، والأخيرة أرض سورية... والسؤال هنا، ماذا يفعل الأتراك في سوريا، هل هم موجودون لحماية تنظيمي جبهة النصرة وداعش وحركة تركستان الشرقية الإرهابية؟». تساؤل المعلم حمل رسالتين لافتتين؛ مفاد الأولى أن الهجوم على «الجماعات الإرهابية»، والذي أقرّه اتفاقا «أستانا» و«سوتشي»، لا يستهدف القوات التركية إن حيّدت مواقعها عن نقاط وجود تلك الجماعات، والعكس صحيح. وأما الثانية فقد كانت تأكيد أهمية التعاون مع الجانب الصيني من باب التنسيق ضد «الحزب الإسلامي التركستاني» (لا ينفصل عن «حركة تركستان الشرقية»)، إلى جانب مواجهة «الإرهاب الاقتصادي الأميركي». وهو ما لاقاه وانغ، عبر التأكيد أن الصين ستواصل دعم سوريا في سعيها لحماية سيادتها وسلامة أراضيها ومحاربة الإرهاب، وستساعد في جهود إعادة بناء اقتصادها. كذلك، شدّد المعلم على أن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون مسؤولية دولية، مطالباً بخروج جميع القوات الأجنبية الموجودة في سوريا بنحو غير شرعي. وعن مسار «الحل السياسي»، لفت المعلم إلى أن التزام بلاده المضيّ في هذا المسار، لا يغيّر من واقع أن «الدستور هو شأن يخص الشعب السوري وحده، وهو صاحب القرار في ذلك».
وجاءت هذه التطورات في موازاة معركة ميدانية محدودة انطلقت صباح أمس، عقب محاولة الفصائل المسلحة التقدم على محور تل ملح، وباتجاهَي كفرهود والجلمة. وعلى رغم الزخم العسكري الكبير الذي شهدته موجة الهجوم الأولى، واستعمال الفصائل طائرات مسيّرة في قصف نقاط الجيش في محيط البلدتين، تمكّن الأخير من صدّ الفصائل، ومنع أي تغيّر في خطوط السيطرة هناك. وكانت المنطقة نفسها قد شهدت معارك استنزاف طويلة، تسببت في خسائر كبيرة في صفوف الطرفين، وهو ما دفع الفصائل إلى التعويل على التقدم عبرها، وتحقيق خرق جديد في ريف حماة الشمالي.