على رغم تسيّد مناخ المفاوضات بين المجلس العسكري وتحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» المشهد، بعد تعليق العصيان المدني الشامل، في إطار وساطة إثيوبية مدعومة أميركياً، إلا أن الأجواء لا تبدو مهيأة بعد للجلوس حول الطاولة، في ظلّ برودة بين الطرفين، تُبقي الاستجابة للآخر محصورة عبر الوسطاء. وفيما ينتظر المجلس ردّ رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد (الذي يقود الوساطة)، على طلب الدعوة إلى استئناف التفاوض اليوم السبت (خلال 24 ساعة)، بحسب ما أعلن المتحدث باسم المجلس، شمس الدين كباشي، مساء أول من أمس، لم تعلن قوى «الحرية والتغيير» أمس موقفاً صريحاً في هذا الشأن، مكتفيةً بتأكيد تمسكها بسيادة السلطة المدنية في الفترة الانتقالية.إزاء ذلك، ثمة اتجاهان يبدو أن العسكر ماضٍ فيهما: الأول، محاولته الالتفاف على شروط قوى «الحرية والتغيير» التي أعلنتها عقب الجلسة الأولى مع آبي أحمد في السفارة الإثيوبية في الخرطوم، من خلال اعتقال بعض العسكريين الضالعين في مهاجمة المعتصمين، بدلاً من الإقرار بأنه هو من أمر بفضّ الاعتصام، ومن ثمّ إطلاق سراح بعض قيادات قوى «الحرية والتغيير» وترحيلهم إلى جنوب السودان، عوضاً عن إطلاق جميع المعتقلين السياسيين، وتبرير ذلك بأنه تمّ على خلفية صدور حكم ضد القيادي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان ـــ قطاع الشمال»، ياسر عرمان، بالإعدام، فضلاً عن تجاهل مطلب التحقيق في مجزرة فضّ الاعتصام أمام وزارة الدفاع، والاكتفاء بتشكيل لجنة غير موثوق بها من قِبَل قادة الحراك الشعبي، بالإضافة إلى الإبقاء على المظاهر العسكرية واستمرار الحظر على خدمة الإنترنت.
أما الاتجاه الثاني، فيتمثل في اتهام فصيل في التحالف المعارض بالضلوع في محاولة انقلاب من أصل محاولتين أُعلن عنهما أول من أمس، واتُخذت في إطارهما إجراءات وتوقيفات لـ 19 ضابطاً موزعين على مجموعتين (كانت مصادر إعلامية كشفت عن أنهم 68 ضابطاً من الإسلاميين). هذا الاتهام، الذي يستهدف تشتيت التحالف المعارض، استنكرته قوى «الحرية والتغيير»، مؤكدةً استمرارها في «وسائل عملها الجماهيرية بالاستناد إلى قوة الشعب»، بعدما كانت قد لوّحت بخيار العودة إلى العصيان في حال عدم الاتفاق مع المجلس على باقي الملفات في شأن المرحلة الانتقالية، وهي «المجلس السيادي» ومجلس الوزراء.
اتهم المجلس العسكري بعض قادة الحراك بالضلوع في «محاولة انقلاب»


وبينما تحدث المبعوث الأفريقي إلى السودان عن تقدم في المساعي الرامية إلى استئناف المفاوضات، قال القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، طارق عبد المجيد، إن وسطاء الاتحاد لم يقدموا أي ضمانات بقبول المجلس شروط المحتجين للعودة إلى التفاوض، على رغم أن الحراك الأميركي، الداعم للوساطة، يضغط على العسكر لـ«وقف الهجمات على المدنيين، وسحب الجيش من الخرطوم، والسماح بتحقيق مستقل... ووقف قمع حرية التعبير والإنترنت»، وفق ما دعا إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية في الخرطوم، تيبور ناجي، أثناء لقائه رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، أول من أمس. لكن «العسكري» لا يبدو مستعداً لتنفيذ هذه الشروط، بحسب ما لمح إليه كباشي في تعليقه على اللقاء، حيث قال إن «الولايات المتحدة قدمت لنا عدداً من النصائح، لكنها ليست أوامر»، مؤكداً رفض العسكر إجراء تحقيق دولي، وأن الخرطوم لن تخضع لأي ابتزاز سياسي أو ضغوط إقليمية ودولية مهما كانت. وهو ما أعقبه تأكيد رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة، الفريق أول هاشم عبد المطلب، أن «لا نية للجنة الأمنية أو القوات المسلحة لإخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم باعتبارها قوات قومية».
وبينما تبدو تأثيرات الوصاية الخارجية على قرارات المجلس واضحة، من المتوقع أن يلتقي ناجي، والمبعوث الأميركي الخاص دونالد بوث، دبلوماسيين من السعودية والإمارات ومصر في الخرطوم، بهدف حثهم على إخضاع المجلس لرؤية واشنطن للحل السياسي قبل انفلات الأمور وفقدان زمام السيطرة، وخصوصاً في ظلّ تحذير نائب رئيس اللجنة السياسية في المجلس، ياسر العطا، من حدوث انشقاقات في القوات المسلحة، ستؤدي ــــ في حال وقوعها ــــ إلى حرب أهلية في البلاد كما قال. وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن خيارات التفاوض باتت محدودة، مع استنفاد الطرفين أوراق الضغط، ليبقى أمامهما خيار الاتفاق بما يحقق أهداف الاحتجاجات بسلطة مدنية، ويجعل قادة المجلس في الوقت نفسه قادرين على حماية سلطتهم من أي تغيير قد يطرأ داخل المؤسسة العسكرية.