من خلف الطلاقيّات المحفورة بالبوابات الحديدية البيضاء، اقتنص حارس السفارة الفلسطينية، أمس، النظر إلى الطريق العام، ليُعاين الزوّار. في الداخل، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والمشرف العام على الساحة اللبنانية الوزير عزام الأحمد، عائداً لتوّه من لقاء الرئيس ميشال عون، ليكمل بعد ساعة لقاءاته اللبنانية، بزيارة الرئيس سعد الحريري برفقة السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبّور. «الأخبار» التقت الأحمد في حوارٍ سريع، تناول «صفقة القرن» والمصالحة.
متى تعلنون رسمياً نهاية اتفاق أوسلو؟
مراراً وتكراراً أكّدنا أن قصة أوسلو سقطت. عندما انتهت فترة «الحكم الذاتي» ولم ننتقل بسبب موقف إسرائيل إلى «مفاوضات الحل النهائي». وعندها، حدثت انتفاضة الأقصى، وتصدى الرئيس الشهيد أبو عمار (ياسر عرفات) بصلابة غير عادية. ردّ على من أعطاه مهلة عشر دقائق للاستسلام: شهيداً شهيداً شهيداً، وبقي محاصراً لثلاث سنوات وقتلوه بالسم. أيضاً، عندما ذهبنا إلى الأمم المتحدة بعد فشل إحياء كل المفاوضات. وهنا، يجب أن أذكّر بالمواجهات العسكرية منذ قيام السلطة حتى الآن. منذ خروجنا من لبنان في 1982 حتى قيام السلطة، لم يسقط عُشر الشهداء الذين سقطوا بعد قيام السلطة، وأجهزة السلطة اصطدمت بالاحتلال مرات كثيرة، وسقط منها شهداء كثر وأكثر من ألف أسير حتى الآن.
(هيثم الموسوي)

لكن، لنكن واقعيين، المشهد مع الرئيس عبّاس مغاير. ما رأيك؟
لا ليس مغايراً. عندما ذهبنا إلى الأمم المتحدة في 2012 أطلقوا عليه لقب الإرهابي الدبلوماسي.

والتنسيق الأمني؟
هذا الموضوع يحتاج إلى شرح سنتحدث عنه لاحقاً. لكن أنا أقول لك لا تنسيق كما تعتقدون. لأكمل فكرتي: في 2012 أصبحنا عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، ومن وقتها، نزعنا كل لافتة في مؤسسات السلطة، في الوزارات، في المؤسسات، عبارة السلطة شطبناها، ونخاطب العالم بالرسائل، ورسائل أبو مازن باسم دولة فلسطين ومنظمة التحرير.

لماذا إذاً لا يتمّ إعلان دولة فلسطين؟ وهناك القرار 19/67؟
نص القرار قال «دولة تحت الاحتلال»، نحن أعلنّا أننا دولة، والمجلس الوطني الفلسطيني أكد على انتخاب أبو مازن رئيساً لدولة فلسطين. لكن لنكن صريحين، مثلاً حاولنا تغيير جواز سفر السلطة لأنه جزء من أوسلو. أشقاؤنا العرب لم يقبلوا التعامل إلا مع الجواز القائم! «ما فيش حدا معترف فيه، لمين بدنا نعمله؟». للأسف، جواز الاستخدام الخارجي الفلسطيني، أوروبا تسمح بالتعامل معه وأميركا أيضاً، إلّا العرب لا يقبلون.

لكن الفلسطينيين يحتاجون على الأقل الى أن يسمعوا من أبو مازن إعلان سقوط أوسلو وقيام دولة فلسطينية، لماذا لا تفعلون ذلك؟
نحن في حِلٍّ كامل من أوسلو. ولكن ما لا نستطيع فعله نتمنى على أشقائنا أن يساعدونا عليه، لا نريد ألسنتكم، نريد سيوفكم.

والتنسيق الأمني؟
ليس هناك تنسيق كما تعتقدون.

طيب، كيف نقاوم صفقة القرن؟
نحن في حرب مفتوحة مع الأميركيين. ورشة البحرين ساقطة من قبل أن تولد، وهذا الأمر قاله (مبعوث الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جيسون) غرينبلات. قال: أماتوها قبل أن تولد. يكفي أن كل الفلسطينيين لن يشاركوا، وكل الفصائل بلا استثناء أعلنت رفضها للصفقة. كل رجال الأعمال الفلسطينيين والشخصيات التي دعيت، أكثر من 100 شخص، لن يشارك أي منهم في ورشة البحرين، وبعضهم يحمل الجنسية الأميركية. وُجهت دعوات لثلاثة مسؤولين رسميين فلسطينيين، ونحن لن نردّ على الدعوات حتى بالاعتذار.

هل وُجهت دعوة إلى أبو مازن؟
لا. المدعوون هم وزراء مالية واقتصاد ورجال أعمال وخبراء. ومعلوماتي أن أميركا طرحت ورشة البحرين كبديل من طرح تفاصيل الصفقة التي كان من المفترض أن يُعلن عنها بعد عيد الفطر. إذ إن التسريبات الدقيقة التي نشرتها جريدة «إسرائيل هيوم»، وما تلاها من ردود فعل غاضبة، دفعت الأميركيين إلى التأجيل واختلاق ورشة البحرين. كان أبو عمار يقول إنه طالما قلم الرئيس الفلسطيني نيابة عن الفلسطينيين لم يوقّع، ووقّعت الكرة الأرضية، فلا قيمة لذلك. وأبو مازن ملتزم بهذا الموقف، ويقول: لن أموت خائناً. وكل واحد يشارك أو يوقّع أو يقبل بهذه الصفقة فهو خائن، وهذا ينطبق على الفلسطينيين والعرب، رسميين وغير رسميين. مؤتمر المنامة هو نقيض مبادرة السلام العربية ومقررات القمة الإسلامية الأخيرة في مكة، ولا نقبل أي تبرير، حتى من الذين قد يضطرّون إلى أن يذهبوا بسبب ظروف معيّنة بمستوى متدنٍ.
100 فلسطيني دُعوا إلى مؤتمر البحرين ولن يشارك أحد منهم حتى حَمَلَة الجوازات الأميركية


من تقصد؟ مصر والأردن؟
نعم. في تقديري أنهم إن شاركوا فسيشاركون بمستويات متدنّية جداً. إسرائيل نفسها إذا طُرحت الصفقة بشكل رسمي، فإنها لن تقبل ببعض جوانبها، ونحن لن نقبلها من أولها إلى آخرها. هذا كلّه من تخطيط صهر (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، جاريد كوشنير، وغرينبلات، والعاهر ديفيد فريدمان. قال عنه أبو مازن كلب ابن كلب، هذا الكلب تربى في بيت إيل، وهي مستوطنة تبعد 1000 متر عن بيت أبو مازن و500 متر عن مكتبي، وفيها مقر قيادة جيش الاحتلال في الضفة الغربية، في قلب رام الله. ومنذ فترة، استقبل ابنته في المطار التي مثله تحمل جنسية إسرائيلية، وأوصلها إلى معسكر الخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال.

هل هناك خطة للمواجهة الشعبية مع الصفقة؟
نعم. نحن بدأنا هذا التحرك، كلجنة تنفيذية في منظمة التحرير قررنا توسيع الفكرة، وكلّفنا الأخ عباس زكي أن ينقل فكرتنا إلى لبنان، وتم الاتفاق على تنظيم نشاطات مع المؤتمر القومي العربي على مستوى العالم العربي، المقترح أن يكون عقد المؤتمر في بيروت، وحكماً في فلسطين ستكون هناك تحركات كبيرة جداً. في الداخل، نحن لم نتوقف لحظة واحدة عن المقاومة الشعبية. قد تستغرب، في غزّة رقم واحد عدد الشهداء التابعين لفتح، حوالى مئة شهيد. بعض الإعلام العربي يشوّه صورة التحركات وينكر وجود فتح، وللأسف حماس «تغرش» على التشويه حتى تظهر أنها المتصدرة.

هل يعقل أنه لم يصدر حتى الآن بيان مشترك عن كل الفلسطينيين يرفض الصفقة؟
هناك بيان يصدر كل يوم اثنين في رام الله، باسم القوى الوطنية والإسلامية، بمشاركة حماس والجهاد.

سمعنا أن الرئيس نبيه بري اقترح عقد لقاء موسّع لقادة الفصائل الفلسطينية كافة، على أن يحضر أبو مازن ورئيس المكتب السياسي في حماس إسماعيل هنيّة، وأنتم لم توافقوا. صحيح؟
صراحة، حماس تسعى إلى مثل هذا اللقاء. ومضطر الآن أن أنتقد حماس. نحن أوقفنا الاجتماعات منذ محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء الفلسطيني ومدير المخابرات العام الماضي، وهذا القرار ازداد صلابة بعد لقاء موسكو، عندما رفضوا التوقيع على أن منظمة التحرير هي الممثل للشعب الفلسطيني، وهم وقّعوا عشرات المرات في الماضي على هذا الموقف.

لكن الآن هناك ظروف صفقة القرن، ستستمرون على موقفكم؟
اليوم (أمس)، تحدثت مع مسؤولين لبنانيين بالأمر. في لبنان، وقعت حرب ومع ذلك لم تنقسم الدولة. لماذا إذاً نفصل الضفة عن غزة؟ قانونان وحكومتان وقضاءان؟ لو حماس صادقة في نياتها، كان عليها بعد صفقة القرن أن تعلن حكومة وحدة.

أليس الرئيس «أمّ الصبي»، أم حماس؟
أبو مازن قال لهم إنه مستعد للمصالحة. ونحن ندفع حتى الآن كل الأموال في غزة، حوالى 100 مليون دولار.

ولكن هناك أموال لا تدفع، وغزة تحت الحصار، وحماس لم تتأثر كثيراً، إنّما الفلسطينيون. ما رأيك؟
أتحداك أنت وحماس. الموظفون في غزة أخذوا رواتبهم، في الإدارة والتعليم، والخطوات التي أعلن عنها أبو مازن وقال إنها ضرورية لم ينفذها. إذا أردت أن أذهب بعيداً، حماس تسرق الشعب الفلسطيني في غزّة لأنها تأخذ ضرائب بشكل غير قانوني، فبعد الانقسام صدر قرار رئاسي بإعفاء أهل غزة من الضرائب. الحصار هو حصار إسرائيلي، قبل الانقسام بدأ وازداد بعد الانقسام. نحن في منظمة التحرير، للشهر الثالث على التوالي، نأخذ نصف راتب، من أبو مازن و«جرّ». المقاصة التي تحتجزها إسرائيل هي حوالى 200 مليون دولار، وقَدَّرت إسرائيل أموال أسر الشهداء بـ 11 مليون دولار في الداخل. وبسبب رفض إعطائنا هذه الأموال نرفض قبض الأموال الباقية ولن نقبل. هل سمعت بنيامين نتنياهو يقول «نحن ندخل أموال قطر إلى غزة حتى نضمن بقاء الانقسام وفصل غزة عن الضفة؟». هناك دول تؤيّد الانقسام الفلسطيني، وفي المقابل المقاومة اللبنانية ضد الانقسام الفلسطيني بشكل شرس، وهذا الأمر تحدّثنا به مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما التقيناه. ما هو خلاف حماس السياسي معنا؟ ألم تعدّل حماس ميثاقها وتعترف بحدود 1967؟ مثلاً عندما حاولت أميركا وإسرائيل طرح موضوع تصنيف حماس كحركة كمنظمة إرهابية، نحن تصدّينا، ولم ننتظر حماس لتطلب منا ذلك. حماس جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية ومكونات الشعب الفلسطيني، وفي مرحلة التحرر الوطني لا مكان للانقسام، ولا مكان للخلافة الإسلامية، نحن ضد الخلافة الإسلامية كمبدأ، لأن الوقت الآن هو وقت مواجهة الاحتلال، وليس كما يعتبر محمود الزهار أن «فلسطين كالمسواك». أريد أن أقول للإخوان في حماس ماذا ينتظرون للمصالحة؟ غداً (اليوم) سأقابل الرئيس بري، وأشرح له حول ما سألتني عنه سابقاً، أي المبادرة. والآن هناك تحرّك مصري بعيداً عن الإعلام ولن نتكلم به، اتفقنا مع المصريين على ذلك.

كيف هي العلاقة مع مصر؟
تحسنت كثيراً. مرحلة التباعد كانت قصيرة وانتهت.

ومع الأردنيين؟
سمعنا أن الملك الأردني عبد الله انزعج من تصريح أبو مازن حول الكونفدرالية.
حول قصة الكونفدرالية، حكى أبو مازن أنه بعد قيام الدولة، وهذا كان اتفاقاً قديماً بين الملك حسين وأبو عمار. الآن العلاقات ممتازة مع الأردن وننسّق في كيفية مواجهة صفقة القرن.

ومع سوريا؟
كنا نأمل أن تتحسن قبل حصول أحداث سوريا. لا نقبل أن تدمّر سوريا أو تقسّم، لأن دمارها دمار لفلسطين والأردن ولبنان.

لا تناكفون حماس إذاً في تحسين العلاقة مع دمشق؟
موقفنا كان واضحاً ضد الحرب على سوريا عندما كانت العلاقات مقطوعة. وعند بدء التحضير للحرب، أرسل أبو مازن للرئيس بشار الأسد ما لديه من معلومات لما يحضَّر لسوريا، ولا أريد الخوض في التفاصيل. حتى إنه كانت لدينا علاقات مع بعض المعارضين، ونصحناهم بأن ينتبهوا لدمار سوريا، وبالفعل بعضهم حيّد نفسه. هذا مشروع بن غوريون منذ عام 1954، الذي قال إن قوة إسرائيل ليست في قنبلتها النووية، بل في تفكيك العراق ثم سوريا فمصر. وأنا شخصياً سمعت الجملة ذاتها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن علينا أن نلحق أنفسنا قبل أن يصل الدور إلينا، يجب أن لا تُقسّم سوريا.

ختاماً، ماذا عن التنسيق الأمني؟
قلت لك وأكرّر، لا تنسيق كما تعتقدون، اعذرني تأخرت على الرئيس الحريري، ونتحدث عن هذا الأمر لاحقاً.