تونس | تثير ما تعرف بـ«زيارة الغريبة»، التي تجري في أيار/ مايو كلّ عام، جدلاً في تونس، إذ يأتي من بين مئات المشاركين إسرائيليّون، بجوازات إسرائيليّة أو أوروبيّة. هذا العام خلّفت الزيارة جدلاً أوسع من المعهود، خاصة أنّ عدد المشاركين قد ارتفع مع تزايد العدد الإجماليّ للزوار إلى أكثر من ستة آلاف، وفق تقديرات رسميّة. ليس ذلك السبب الوحيد للجدل، فعلى عكس التكتم الشديد السائد سابقاً، حظيت زيارة هذا العام بتغطية إعلاميّة من القناة الـ12 الإسرائيليّة التي رافقت وفداً زار معبد «الغريبة» في جزيرة جربة الواقعة جنوب البلاد، وتجوّل في ضاحية سيدي بوسعيد بالعاصمة، حيث توقف بقرب المنزل الذي اغتيل فيه القيادي الفلسطينيّ خليل الوزير (أبو جهاد) على يد «الموساد» مطلع التسعينيات، ورفع بعض المشاركين شعارات داخل الحافلة من قبيل: «تحيا إسرائيل، تحيا تونس».يبدو أنّ ارتفاع عدد المشاركين كان بعلم من السلطات التونسيّة، فقد قال وزير السياحة، روني الطرابلسي، نهاية الشهر الماضي إنّه سُجِّلَت «عودة مئات الزوار الذين رحلوا خلال الأعوام الصعبة في سبعينيات القرن الماضي». ويشير حديثه إلى التونسيّين اليهود الذين تركوا البلاد بعد «النكسة» واتجهوا إلى فلسطين المحتلة. ويعرف الطرابلسي هؤلاء جيداً، فهو نجل رئيس الطائفة اليهوديّة بتونس، وكان يشرف على تنظيم رحلات لهم لزيارة «الغريبة» بصفته صاحب وكالة سفر. ويبدو أنّ لتعيين الطرابلسي وزيراً للسياحة دوراً أيضاً في إنعاش هذه الزيارة السنويّة التي ترى فيها السلطات المتعاقبة فرصة لتسويق صورة «التسامح»، وكذلك بوابة لحشد دعم جماعات الضغط الصهيونيّة في الغرب. ومنذ تعيين الرجل العام الماضي، صارت تصدر تصريحات إيجابية حول تونس من وسائل إعلام وساسة في إسرائيل، كما أوقفت الأخيرة تحذيراتها السابقة لمواطنيها من زيارة تونس.
رفع بعض المشاركين شعارات من قبيل: «تحيا إسرائيل، تحيا تونس»


من الواضح أنّ الطرابلسي له علاقات جيدة بدوائر إسرائيليّة، سمحت له سابقاً بتنظيم رحلات نحو تونس. ورغم أنه لا يقر بوجود هذا النوع من التواصل، فإنه تحدث سابقاً بلسان الخبير عن الظروف التي يعيش فيها الإسرائيليّون من أصل تونسيّ. فضلاً عن ذلك، سبق له إجراء مداخلة متلفزة مع قناة «إي 24» المتحدثة بالفرنسية والداعمة لإسرائيل، قال فيها إنّ «التونسيين المعادين لإسرائيل أقليّة متطرفة»، كذلك أجرى بعد توليه الوزارة حواراً بُثّ على القناة نفسها، لكنه برّر ذلك بأنّ الحوار نظمته وكالة إخباريّة باعته لاحقاً لعدد من الشاشات.
هذا التحفّظ، الذي تبناه الطرابلسي أخيراً، جاء بتوجيهات رسميّة، وفق مصادر، إذ صار يُخشى تكرر دعوات إقالته، كذلك فإن الحكومة لا تريد دعاية سلبيّة بسبب الموضوع، وذلك ما قاد وزير السياحة إلى رفض الحديث مع القناة العبرية. ويظهر في تقرير القناة رفضه طلب الصحافية إعطاء كلمة بعد استعلامه عن هويتها. لكن ذلك لا يعني رفضه حضور إسرائيليّين، فإلى جانب تصريحاته هذا العام حول سروره بمشاركتهم بأعداد كبيرة، سبق له الدفاع عنهم من منتقديهم في أعوام سابقة، وهو قال عام 2016 إنّ من حقّ الحاخام المتطرف رافائيل كوهين زيارة تونس، لأنّه «مولود في تونس لأبوين تونسيّين».
في النتيجة، خلّفت الزيارة تنديداً واسعاً، إذ أصدر حزب «التيار الديموقراطيّ» بياناً طالب فيه بـ«فتح تحقيق جديّ في حقيقة توافد حاملي جنسية الكيان الصهيونيّ على الأراضي التونسيّة وتنقلهم داخل البلاد». كذلك، قال «المؤتمر القوميّ العربيّ» في بيان، إنّ «هذه الزيارات استفزاز وقح لمشاعر أبناء الأمة كلها، وانتهاك صريح لدماء شهدائنا». وسبق أن تقدمت كتل نيابية بمشروع قانون يناهض التطبيع مع إسرائيل، لكنّه لم يحظَ بنقاش جديّ بعد تعبير كتل كبرى في البرلمان عن رفضها له. وبُرّر الرفض بحجج أبرزها أنّ القانون لن يكون له انعكاسات إيجابيّة، فضلاً عن أن بعض قياديّي «حركة النهضة» قالوا إنّ زعماء فلسطينيّين لم ينصحوهم بتبني هذا القانون! لكن يبدو أنّ الدافع الرئيسيّ للرفض هو الضغوط الغربيّة، إذ طلبت «مراكز دراسات» أميركيّة خاصة، من رؤساء الحكومات التونسيّة خلال زياراتهم التخلي عن العداء لإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
في الوقت نفسه، تتقاطع الجهود لتكثيف زيارات الإسرائيليّين لتونس مع رغبة تل أبيب في تطبيع العلاقات انطلاقاً من السياحة. وينعكس هذا التوجه في سماح الأخيرة لتونسيّين بزيارة القدس، فضلاً عن تنظيم وكالتين سياحتين تونسيّين رحلات دوريّة تشمل مدناً داخل فلسطين المحتلة.