القاهرة | إذا أردت أن تعرف سبب تراجع دور جهازَي المخابرات المصرية، «العامة» و«الحربية»، عليك أن تعرف اهتماماتهما وأولوياتهما. فهذه «الأجهزة السيادية»، التي يفترض بها التحرك داخلياً وخارجياً لحماية البلد، يعود ضباطها إلى التشاجر بعد هدوء استمر لمدة، على إثر نجاح مدير «العامة» الحالي، اللواء عباس كامل، في إخضاع الجهازين لسلطته إبّان عمله مديراً لمكتب رئيس الجمهورية، وهو الوضع المستمر منذ شهور.لكن الخلافات بين ضباط «العامة» و«الحربية» تدور هذه المرة حول أفلام السينما وإيراداتها، ولا سيما الأفلام التي طرحت في عيد الفطر الماضي. خلافاتٌ كانت كواليسها شبه سرية حتى العرض الخاص لفيلم «الممر» (بتنظيم من «إدارة الشؤون المعنوية» التابعة للجيش) الذي يتناول «بطولات الجيش إبّان نكسة 1967، وتحضيرات حرب الاستنزاف». وهو الفيلم الذي أسهم الجيش في إنتاجه، لكن ليس مادياً، بل بالدعم اللوجيستي، والسماح بالتصوير، واستخدام طائرات في معسكرات حربية، في تسهيلات لم تحدث منذ سنوات.
تنظيم العرض الخاص جاء بعد تكوّن اقتناع لدى ضباط الجيش بفشل شركة «ماد سليوشن»، التي أُسندت إليها الحملة الدعائية والترويجية للفيلم خلال تصويره، إذ كان رأي الضباط أن الشركة أخفقت في توصيل الرسالة المطلوبة من الفيلم إعلامياً، ما دفع الجيش إلى تنظيم عرض خاص ثانٍ للإعلاميين والفنانين والنقاد في «مركز المنارة»، في خطوة لم تحدث من قبل لأي فيلم سينمائي. وعلى رغم أن هذه الأعمال بطبيعتها لا تلقى عادة رواجاً في السينما، إلا أن إيرادات «الممر» تجاوزت مليون دولار في أسبوع العرض الأول، وهو رقم جيد، لكنه لم يعجب الضباط، لأن الفيلم جاء في المركز الثالث في شباك التذاكر.
وما أثار غضبهم أكثر، أن فيلماً آخر شاركت في إنتاجه «المخابرات العامة»، عبر المنتج تامر مرسي وشركته «سينرجي»، تصدّر الإيرادات بمليونَي دولار خلال الأسبوع الأول، فضلاً عن اكتشاف الضباط وجود توجيهات في بعض الصالات بالإعلان عن عدم وجود تذاكر لـ«الممر» وإلغاء حفلات له، وهو ما رآه ضباط الجيش تقليلاً من أهمية الفيلم الذي يدعمونه وضرباً لإيراداته. والمفارقة التي جعلت الخلافات تتصاعد خلال الأيام القليلة الماضية، أن بطل فيلم «كازابلانكا» المتصدّر، هو أمير كرارة الذي كان مرشحاً لبطولة «الممر»، قبل أن تستبعده «المخابرات الحربية» (الجيش) لأنه أدى دور ضابط شرطة في مسلسل «كلبش»، على رغم التصوير مع كرارة ليومين بالفعل في فيلم الجيش، الأمر الذي رآه ضباط «الحربية» خطأ جسيماً سيُؤخذ عليهم، بما أن هذا الممثل أكثر نجومية من بطل «الممر» أحمد عز.
بناءً على ما تقدم، صدرت تعليمات من «الحربية» بعدم التعامل مجدداً مع شركة «ماد سليوشن» التي يمتلكها رجل أعمال سوري مع آخرين، بعدما أثبتت «فشلها» في الدعاية، واعتمدت على وسائل تقليدية، ولم تتواصل مع جميع وسائل الإعلام، ما أثر في مساحة الترويج. ثم صدرت توجيهات أخرى من «إدارة الشؤون المعنوية» بالتواصل المباشر مع جميع الفضائيات، سواء الخاضعة لإدارة الدولة أم التي لا تزال تتمتع بقدر من الاستقلالية، مثل «صدى البلد» و«النهار»، من أجل تكثيف الدعاية للفيلم، فضلاً عن الإسراع في توزيعه في الدول العربية.
هكذا، يعود الصراع بين الجهازين إلى الواجهة، لكن ليس على إدارة ملفات حيوية بل على «صغائر» مقارنة بحجم مهامهما، في تحول يعكس بوضوح أسباب الهشاشة التي صارت تعاني منها الدولة في عهد «الجنرال».