ويعود السبب الرئيس لتأجيل هذه الرئاسيات، بعيداً عن التفاصيل التقنية التي سيوردها المجلس الدستوري، إلى رفض الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والفاعلين في الحراك الشعبي دخول انتخابات تحت إشراف رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح، والوزير الأول نور الدين بدوي، نظراً إلى اعتبارهما امتداداً لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واتهامهما بالتورط في كلّ عمليات التزوير التي طاولت الانتخابات سابقاً، ما يجعلهما في نظر المعارضة غير مؤهلين للإشراف على انتخابات مصيرية ستحدد مستقبل الجزائر بعد الحراك الشعبي.
أخبار الملاحقات القضائية التي تطاول كبار المسؤولين السابقين تلقى اهتماماً واسعاً
لكن السؤال الأكبر الذي يُطرح اليوم في الجزائر، هو عمّا بعد تأجيل هذه الانتخابات، التي تأكد منذ فترة طويلة أنها مستحيلة التنظيم. وبدأت تبرز المخاوف من إمكان أن لا يغير هذا الحدث في المعادلة كثيراً. فالإعلام الرسمي الجزائري يتحدث بقوة عن فرضية تمديد فترة الرئيس المؤقت لشهرين إضافيين، استناداً إلى مادة في الدستور تتحدث عن هذا الإجراء، لكن في ظروف أخرى. ويطرح خبراء دستوريون استعانت بهم الإذاعة العمومية الجزائرية، فكرة الاستئناس بالمادة 103 من الدستور، التي تتحدث عن إمكان تأجيل الانتخابات لـ 60 يوماً عندما يستحيل تنظيمها في حالة وفاة أحد المرشحين في الدور الثاني للانتخابات، ما يعني التمديد في فترة الرئيس المؤقت بطريقة غير مباشرة. وعلى رغم أن استحالة تنظيم الانتخابات في الوضع الحالي تختلف تماماً مع فكرة المادة 103، إلا أن هؤلاء يروجون لها على اعتبار أن حالة الغياب الكلي للمرشحين لم يرد فيها أي نص دستوري وقانوني للتعامل معها.
غير أن هذا التفسير يبدو مرفوضاً لدى خبراء دستوريين آخرين، يؤكدون في المقابل أن فترة رئاسة بن صالح ستنتهي رسمياً حسب المادة 102 من الدستور يوم 6 تموز/ يوليو المقبل، سواء نجح في تنظيم انتخابات يُسلّم على أساسها السلطة لرئيس منتخب، أو فشل في ذلك. وبغض النظر عن النقاش الدستوري، تساءل سياسيون عن الجدوى من تمديد فترة الرئيس المؤقت، لكونه يشكل حجر الزاوية في الانسداد السياسي الحاصل، فإذا كان الحراك قد رفضه خلال المدة السابقة، فعلى أي أساس سيقبل به بعد التمديد له ولأي غاية؟ هذه الأسئلة تبقى مُعلّقة في ظلّ عدم إبداء الرئيس المؤقت أي نية للاستقالة من منصبه أو تركه، على رغم علمه بأن بقاءه سيؤدي حتماً إلى إطالة عمر الأزمة.
ولتفادي استمرار هذا المأزق السياسي، طرحت «منظمة المجاهدين» (قدامى المحاربين في الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي) مبادرة سياسية يمكنها أن تساهم في حلحلة الوضع، انطلاقاً من كون هذه المنظمة تحظى برمزية تاريخية عالية، لدرجة أنها تُعرف في الجزائر باسم «المنظمة الأم»، ما يجعلها قادرة على اختراق أسماع قيادة المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة الفعلية في الواقع. وطرحت «منظمة المجاهدين» فكرة تنظيم ندوة وطنية تجمع الأحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية والفاعلين في الحراك، من أجل «تزكية أو انتخاب شخصية وطنية أو هيئة تضم عدة شخصيات تتولى الإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية لفترة أقصاها سنة». وتقوم هذه الشخصية أو الهيئة، وفق المنظمة، بـ«الإشراف على تسيير المرحلة الانتقالية من خلال تشكيل لجنة مستقلة تتولى الإشراف على كل مراحل الانتخابات، فضلاً عن مباشرة مراجعة القانون المتعلق بنظام الانتخابات». كما اقترحت المنظمة أن يتولى مسيّرو المرحلة الانتقالية تأليف حكومة تكنوقراطية «لا يحق لها أن تكون لها صلة مباشرة بالعملية الانتخابية»، بل يقتصر دورها على توفير مختلف الإمكانات والوسائل التي يتطلبها إجراء هذه الاستحقاقات.
ويأتي تدخل «منظمة المجاهدين» في وقت حساس، يسبق الخطاب الذي أصبح منتظراً لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح كل يوم ثلاثاء، ما يعطي أهمية أكبر لكلمته التي ينتظر فيها أن يتفاعل مع مسألة تأجيل الانتخابات والأفكار المطروحة للخروج من الأزمة، التي باتت تتلاقى في معظمها، بعد مبادرة وزير الخارجية سابقاً أحمد طالب الإبراهيمي، عند فكرة الذهاب إلى حلّ سياسي وعدم الالتزام بحرفية الدستور الذي لا يتيح مخارج تلبي مطالب الحراك.
وعلى رغم قلق الجزائريين من مآلات الوضع السياسي، إلا أن أخبار الملاحقات القضائية التي تطاول كبار المسؤولين السابقين تلقى اهتماماً واسعاً، وتثير ارتياحاً لدى كثيرين، وخصوصاً بعد الإعلان أمس عن فتح تحقيق مع 8 من أبرز وزراء الرئيس السابق، في مقدمهم الوزيران الأولان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، بشبهات تتعلق باستغلال الوظيفة وتقديم امتيازات غير مشروعة، وهو ما يهددهما بدخول السجن لسنوات طويلة في حال ثبوت هذه التهم في حقهما.