القاهرة | لا تدير المخابرات العامة المصرية ملفاً في الداخل، تحت قيادة اللواء عباس كامل، إلا وتفشل فيه. فاللواء الذي يفرض وجوده في جميع لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما لو كان مديراً لمكتبه (وهي مهمته السابقة)، لا يتوقف عن تسجيل الإخفاقات. ومع ذلك، يحافظ على موقعه على رأس الجهاز الأمني الأهم في الدولة خلال السنوات الأخيرة، في وقت فرّغ فيه نفسه للقضايا الداخلية بعدما كانت طبيعة العمل في الجهاز قبل عام 2011 تركز على القضايا الخارجية بسرية كاملة.جديد فصول الفشل، بعد التعثر في إطلاق تطبيق لمشاهدة الأعمال الدرامية التي أنتجتها المخابرات عبر ذراعها الإعلامية، الإخفاق في إدارة منظومة الحجز الإلكتروني لمباريات «كأس الأمم الإفريقية» التي تستضيفها مصر الشهر المقبل، بعدما حصلت على حقوق التنظيم التي سُحبت من الكاميرون لأسباب أمنية ولوجستية.
عادةً، تمنع السلطات ــــ مع استثناءات محدودة ــــ الجماهير من حضور هذه المباريات، وذلك تخوفاً من وقوع أحداث شغب وظهور هتافات مناوئة للجيش والشرطة. صحيح أنه سُمح في بعض المباريات بالحضور الجماهيري، لكن بقي هذا الوضع استثناءً، إلى حدّ تتحدّد فيه الأعداد بناءً على الموافقات الأمنية، وآخرها الموافقة على حضور 40 ألف مشجع لنهائي «كأس الكونفدرالية» التي يلعب فيها فريق «الزمالك»، وستقام في العاصمة القاهرة، مع أن هذا العدد يمثل نحو نصف السعة العددية لـ«الاستاد» الذي يستضيف المباراة.
ومنذ حلّ «روابط الألتراس» للمشجعين الشباب، وتجريمها بموجب القوانين والدولة، يتواصل العمل على تقنين حضور المباريات وربطها بموافقات أمنية، وكأن المشجعين ينوون حضور مؤتمر رئاسي، بل صارت المخابرات هي الجهة المسؤولة عن إدارة ملف دخول الجماهير إلى المباريات، وأحدثها بطولة «كأس الأمم الإفريقية» التي تعهدت مصر للاتحاد الإفريقي بالسماح للناس بحضور فعالياتها، على رغم عجزهم عن الحضور حتى في مباريات الدوري التي لا يُسمح فيها إلا للعشرات بالدخول.
أنشأت المخابرات شركة لحجز تذاكر المباريات مهمتها جمع البيانات عن المشترين


وكانت المخابرات العامة قد أنشأت شركة لإدارة ملف حجز التذاكر، مهمتها الأساسية جمع بيانات الراغبين في حضور المباريات (من خلال البطاقات الشخصية للمصريين وجوازات السفر للأجانب)، مع وضع آلية لاختيار من يُسمح لهم بالحضور، والمقاعد التي سيجلسون عليها، فضلاً عن حظر إعادة بيع التذاكر، بل التهديد بإجراءات عقابية لِمَن يبيع التذكرة بعد حصوله عليها.
في آخر مرة نُظّمت فيها البطولة في مصر عام 2006، واجه الجمهور مشكلات في السوق السوداء للتذاكر، خاصة تذاكر المباريات التي يكون المنتخب المصري شريكاً فيها. هذه المشكلات شكلت الدافع المعلن وراء عملية تنظيم البيع، واشتراط الحصول على الموافقة من شركة «تذكرتي» التي تتبع نظاماً مشابهاً للذي اتُّبع في حجز تذاكر مباريات «كأس العالم» في روسيا عام 2018. لكن اللافت أن النسخة المصرية في التعامل مع الحجز ليست بشفافية تلك التي اعتُمدت في روسيا، فالشركة لم توضح آلية الاختيار حتى الآن، وهي لا تتيح للجمهور مشاهدة عدد التذاكر المبيعة أو الباقية للحجز، ما يتيح لـ«تذكرتي» التنسيق مع الأمن مباشرة من دون إعلان الأعداد المسموح بحضورها في كل مباراة.
أما أسعار التذاكر، فخُفِضَت الدرجة الثالثة منها، استجابةً لضغوط شعبية، ولذلك يُتوقع أن تحظى بأكبر نسبة إقبال لدى الجمهور، لكن يبدو أنها لن تكون مسموحة لبعض الفئات من الشباب المنتمين إلى «روابط الألتراس»، خاصة من تمتلك الداخلية بيانات كاملة عنهم. وهنا، تفيد مصادر مطلعة بوجود عملية تبادل للمعلومات بين الوزارتين في ما يتعلق بالموافقة على من سيُسمح له بحجز التذكرة إلكترونياً.
لا تبدو التجربة ناجحة حتى الآن، برغم تكثيف الدعاية لها عبر الإعلام الرسمي، وهو إخفاق ليس مرتبطاً فقط بخلل في النظام الذي يُعمل عليه جزئياً ولمدد طويلة، بل بصعوبة التعامل مع عدد من التقنيات المطلوبة، خاصة أن الحجز المسبق بالمراجعة مستهدف به جمهور الدرجة الثالثة أساساً. وإزاء ذلك، تسود مخاوف من فشل اكتمال العملية قبل بداية البطولة التي بقي على انطلاقها أقل من أسبوعين، ومن ثم الاضطرار إلى توزيع التذاكر يدوياً ومن دون مراجعة، وهو ما ترفضه المخابرات، وكان التشديد على رفض ذلك خلال اللقاء الذي جمع بين السيسي ومسؤولي المخابرات والقائمين على شركة الحجوزات خلال الأسبوع الماضي.