بات جلياً الاختلاف في أجندات الدول المُشكِّلة لتحالف الحرب على اليمن. إذ تَجمع كلّاً من بريطانيا والإمارات أجندةٌ مشتركة، قبالة أخرى بين الولايات المتحدة والسعودية. وهو خلافٌ يأخذ أشكالاً متعددة في مقاربة القضايا كافة، بدءاً من تلك المتصلة باستمرار الحرب وتفعيل المسار السياسي، وصولاً إلى تقاسم النفوذ والمغانم. تقوم رؤية لندن وأبو ظبي على اعتماد الواقعية السياسية في مقاربة الأزمة، من خلال التسليم بالواقع التاريخي الجغرافي والديموغرافي لمحافظات شمال البلاد، أي ما يسمى تاريخياً «الهضبة أو مناطق الجبال». بمعنى آخر، الاعتراف بموازين القوى الحالية باعتبارها أمراً واقعاً لم تستطع آلة الحرب تغييره أو اختراقه أو التأثير على مراكز قراراته العسكرية والسياسية على رغم قساوة الحرب، والحصار المفروض على المنافذ البرية والبحرية والجوية. بناءً على هذه الرؤية، دفعت لندن مباشرة، ومن خلال الأمم المتحدة، إلى الإسراع في تطبيق المرحلة الأولى من اتفاقات السويد، من خلال الموافقة على العرض المُقدَّم من «أنصار الله» بالانسحاب من طرف واحد من الموانئ الثلاثة في الحديدة. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن السياسة والبرامج التطبيقية لكلّ من بريطانيا والإمارات تشجّع انفصال الجنوب عن اليمن، على اعتبار السيطرة على تلك المنطقة الحيوية ذات أبعاد جيو ــــ سياسية لمصالح البلدين.في مقابل ذلك، تبدي الرؤية الأميركية ــــ السعودية خشية من تطور حركة «أنصار الله» مستقبلاً، وإمكانية تشكيلها تهديداً للداخل السعودي كونها على تماسّ مباشر مع المملكة، والأخطر من ذلك دخول الحركة كطرف في الأمن الإقليمي، وحديث مسؤوليها علناً عن أنهم جزء من محور المقاومة. وعليه، لا تستطيع الرياض، ومن خلفها واشنطن، القبول برهن الأمور بالنيات والإرادة التي تتغير وفق الظروف والمصالح. وبدل ذلك، تتمسك كل منهما بإبقاء اليمن موحداً، شرط أن يكون ضعيفاً (لوحظ في الآونة الأخيرة تشديد كبير من قِبَل السفيرَين الأميركيَين، السابق ماثيو تولر، والمُعيَّن حديثاً كريستوفر هينزيل، على وحدة الأراضي اليمنية)، والقبول بمكوّناته كافة بما فيها «أنصار الله». وهي تقدّر أن نسبة الحركة من البلاد تتراوح بين 15 و20 بالمئة، وأن تلك النسبة يمكن تذويبها من خلال الوصاية السعودية ــــ الأميركية على المكوّنات الأخرى.
رغم ذلك، لا يصل الاختلاف في الرؤى والأجندات إلى حدّ انفراط عقد «التحالف»، واضمحلال المصالح المشتركة بين دوله. لكن الاختلاف ينعكس على الأرض من خلال التطبيقات العملية للأجندات المنفصلة الجاري تنفيذها على قدم وساق، بأوجه وأشكال مختلفة. ويستثمر الطرفان، في سعيهما لتنفيذ أجندتَيهما، في التنمية والأعطيات المالية، ومحاولات السيطرة على مناطق نفوذ الطرف الآخر، كحالة الضغط التي تتعرض لها «الشرعية» المدعومة من واشنطن والرياض لسحب قوّاتها من وادي حضرموت وإحلال قوات «النخبة الحضرمية» التابعة للإمارات مكانها. وقد شهدت نهاية الأسبوع الماضي تصعيداً خطيراً في هذا الإطار، تجلى في الخطاب الذي ألقاه رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» في مؤتمر للفصائل الموالية للإمارات في عدن، دعا فيه إلى تشكيل جبهة عسكرية لإخراج قوات «الشرعية» من وادي حضرموت. يأتي ذلك في وقت يتعرض فيه السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، لحملة إعلامية شرسة من قِبَل المكوّنات المؤيدة للإمارات والإعلام التابع لها.
في المقابل، يتعرّض الأداء السياسي البريطاني، مُمثّلاً بالسفير لدى اليمن مايكل آرون، لموجة انتقادات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية التابعة لـ«الشرعية». وهي انتقادات تطاول حتى المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، على خلفية انطلاقه من «مبادئ خاطئة في المساواة بين الطرفين» بحسب توصيفات حكومة عبد ربه منصور هادي، بالإضافة إلى اتهامه بعدم النزاهة والابتعاد عن الحيادية. تهجّمٌ بلغ ذروته أمس مع توجيه حكومة هادي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة شكت فيها ما سمّتها «تجاوزات» غريفيث، متهمة الأخير بـ«شرعنة الميليشيات»، و«تجزئة» اتفاق السويد، وذلك بعدما أثار حنقَها تصديقُه على خطوة انسحاب «أنصار الله» من موانئ الحديدة، وأيضاً رفضه الانحياز إلى موقفها في مشاورات عمّان الاقتصادية الأخيرة، حيث حمّلته مسؤولية الفشل.
وكان السفير البريطاني قد انتقد، في تغريدة على «تويتر»، مَن أطلق عليهم «المتهكّمين اليمنيين»، الذين ينتقدون كل ما يفعله الطرف الآخر حتى لو كان إيجابياً. وهو موقفٌ قوبل بحملة إعلامية شكّكت في أداء آرون وأداء بلاده، واتهمتهما بالانحياز إلى «أنصار الله»، وخصوصاً أن الإعلام البريطاني يحاول في الآونة الأخيرة إعطاء مساحة لم تكن موجودة في السابق لرأي صنعاء، من خلال استضافة شخصيات مقربة من «أنصار الله» أو شخصيات وطنية تعبّر عن رفضها العدوان على بلادها. وعلى ضوء ذلك، وتعبيراً عن رفض هذا التصرف، قاطعت جهات سياسية وإعلامية الإفطار السنوي الذي يقيمه السفير البريطاني لدى اليمن في العاصمة السعودية الرياض.