بعد يومين على اجتماع ممثلين عن وزارتَي الدفاع، الروسية والتركية، في إسطنبول، تم التفاهم على وقف «مرحلي» لإطلاق النار في محيط «جيب إدلب»، يفترض أنه دخل حيّز التنفيذ السبت الماضي. التوافق الذي لم يُكشف عنه وفق القنوات الرسمية، تَظهّر بشكل رئيسي عبر انحسار الغارات الجوية، وانخفاض زخم العمليات البرية في ريفَي حماة واللاذقية. ومنذ أول من أمس، خرجت عدّة فصائل تعمل تحت لواء «الجبهة الوطنية للتحرير»، المرعيّة تركياً، لتعلن رفضها الالتزام بأي هدنة لا تضمن انسحاب قوات الجيش السوري من المناطق التي دخلها أخيراً. أما وزارة الدفاع الروسية، فقد أكدت، من جانبها، في بيان أمس، أن القوات الحكومية «التزمت من جانب واحد وقف إطلاق النار... برغم تسجيل 13 خرقاً (من قبل الفصائل المسلّحة) تضمنت إطلاق قذائف وصواريخ، يحظر وجودها في المنطقة المنزوعة السلاح وفق اتفاقَي أستانا وسوتشي».اليوم الأول من الهدنة المفترضة تخلّله إطلاق عدد كبير من الصواريخ باتجاه مناطق سيطرة الحكومة. وشهد ريف اللاذقية سقوط صواريخ على قريتَي الشراشير والحويز ومحيطهما، تسببت باستشهاد شخص وإصابة آخرين بجراح. كما تكرر سقوط القذائف في بلدات الريف الحموي الشمالي، ولا سيما السقيلبية. وعلى خطوط التماس، شنّت الفصائل هجوماً ضد نقاط الجيش في أطراف جبل شحشبو، استخدمت خلاله عدداً كبيراً من الصواريخ المضادة للدروع، غير أنه لم يفض إلى أي تغيير في خريطة السيطرة هناك. أما في محور ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، فلم تهدأ الاشتباكات في محيط كباني، على رغم انخفاض وتيرة القصف المدفعي والجوي. ولم تتوقف الفصائل المنتشرة هناك، والتي ينضوي معظمها ضمن «غرفة عمليات وحرّض المؤمنين» (تضمّ «حراس الدين» وعدة تنظيمات «قاعدية») عن مهاجمة نقاط الجيش. وادّعت «هيئة تحرير الشام»، صباح أمس، بأن نقاطاً في بلدة كباني استُهدفت بصواريخ تحتوي غاز الكلور، وهو ما نفته وزارة الدفاع السورية في بيان رسمي، وأكّدت عليه وزارة الخارجية بدورها، بما يستبق أي محاولات دولية لتجيير ادعاء الهجمات الكيميائية للضغط على دمشق وحلفائها. وشهد أمس تحركاً لافتاً للقوات الخاصة التركية، تضمن إرسال تعزيزات إلى حدود محافظة إدلب من جانب لواء إسكندرون، وفق ما أفادت به وكالة «الأناضول». ونقلت وكالة «رويترز» عن المتحدث باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» في إدلب، ناجي مصطفى، قوله إن الفصائل «لن توقف العمليات القتالية وستحاول استعادة المناطق التي تقدم إليها الجيش (السوري)».
نفت وزارة الدفاع السورية ما أشيع عن «هجوم كيميائي» في ريف اللاذقية


اللافت في الهدنة التي أبلغت تركيا الفصائل بها، تزامنها مع حدثين مترابطين داخل منطقة «خفض التصعيد». فبعد دعوة زعيم «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، فصائل «درع الفرات» و«غضن الزيتون» (المدارة من أنقرة تحت اسم «الجيش الوطني»)، إلى فتح معارك بهدف تخفيف الضغط عن جبهات حماة، أكدت أوساط معارضة وصول تعزيزات تابعة لـ«الجيش الوطني» إلى أرياف حماة وإدلب القريبة من خطوط التماس، وسط اهتمام لافت بنشر صور تلك التعزيزات، في ما بدا محاولةً لتعويم «مشاركة الجيش الوطني» داخل جيب إدلب. ولا يخرج هذا التوجه عن سياق محاولات سابقة قامت بها أنقرة، لصهر الفصائل في منطقة إدلب بهدف حشدها لاحقاً تحت لواء «الجيش الوطني». ومع تأكيدات مصادر الجيش السوري الميدانية أن ما تطالب به الفصائل من انسحاب قواته من قرى ريف حماة التي حُرّرت أخيراً ليس وارداً، تبدو الهدنة الروسية ــــ التركية المرحلية مهلة جديدة لأنقرة لتنفيذ ما عجزت عن إتمامه في الفترة بين توقيع «اتفاق سوتشي» وموعد انطلاق العمليات العسكرية الأخيرة قبل أكثر من 10 أيام.
ولا يمكن، في ضوء ما يجري، تجاهل الصمت التركي خلال الفترة الأولى من التصعيد، حين كانت الضربات تتركز على مواقع فصائل لا تسير بالكامل في ركاب أنقرة، ولا سيما «جيش العزّة». ويساند هذه الملاحظة غياب المشاركة الوازنة لـ«تحرير الشام» في معارك ريف حماة الشمالي، في وقت دعا فيه قائدها إلى صيغة «تعاون» مع فصائل «الجيش الوطني». وتوحي تلك التطورات بأن الجبهات خلال الأيام القليلة المقبلة لن تكون هادئة، فيما ستكثّف أنقرة جهودها للاستفادة من التصعيد في الميدان لإنفاذ ما عجزت عن تحقيقه خلال الأشهر الماضية، في ظلّ الهدوء. ومن غير المستبعد، في سياق «التفاوض بالنار»، أن تتكرر الاشتباكات في محيط تل رفعت، في ريف حلب الشمالي، والتي كان آخرها أول من أمس، وانتهى بمقتل خمسة من عناصر «الجيش الوطني».