ينتظر الشارع السوداني جولة جديدة من التصعيد تمهيداً لعصيان مدني، بالتزامن مع جولة ثالثة من المفاوضات بين قوى «الحرية والتغيير» و«المجلس العسكري»، تنطلق اليوم بطلب من الأخير، على أمل أن تحل النقاط الخلافية الواردة في الوثيقة الدستورية خلال ثلاثة أيام، كما يأمل قادة المعارضة. لكن بوادر الاتفاق تبدو معدومة في ظل محاولة «العسكري» الحدّ من مظاهر الاحتجاج وإصرار المعارضة على توسيعها.من المنتظر أن تُستأنَف المفاوضات بين «المجلس العسكري الانتقالي» وقوى تحالف «إعلان الحرية والتغيير»، اليوم، بعد تحديد النقاط العالقة بين الطرفين بشأن المرحلة الانتقالية، سواء بشأن آليات إنشاء «المجلس السيادي» المتفق على تأليفه بالشراكة، أو مجلسي الوزراء والبرلمان الانتقاليَّين، المحددين في وثيقة دستورية قدمها قادة الحراك الشعبي الأسبوع الماضي، تمنحهم حق تأليف المجلسين الأخيرين، من دون التطرق بالتفصيل إلى «السيادي» سوى في صلاحياته، فيما رد عليها «العسكري» بتحفظات عديدة، من شأنها نقل تلك الصلاحيات إليه، ليبقى «السيادي»، الذي يفترض أن يحل محل «المجلس العسكري»، محل خلاف آخر، يريده الأخير أن يكون تحت سيطرة العسكريين، فيما يسعى ممثلو الحراك إلى أن يكون المدنيون أكثرية فيه.
وقبل يوم من الجولة الثالثة من المفاوضات، التي اقترح تحالف «الحرية والتغيير» التوصل إلى حل خلالها، في غضون ثلاثة أيام، لا يُبدي الطرفان حتى الآن أي تنازل بشأن مظاهر الاحتجاج التي يريد العسكر إنهاءها أو الحدّ منها، إذ تستمر قوى «الحرية والتغيير» في الضغط بالشارع، من خلال توسيع الاعتصام المفتوح منذ 6 من نيسان/أبريل، أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة، وتظاهرات في مختلف مناطق البلاد، تطالب بتسليم السلطة فوراً إلى المدنيين، رفضاً لمقترح «العسكري» توليه مرحلة انتقالية تستمر عامين. في المقابل، يستمر الأخير في محاولة إسقاط ورقة الشارع من على طاولة المفاوضات، التي يقابله عليها تحالف معارض يعتبر نفسه الممثل الوحيد للحراك الشعبي.
وتمهد قوى «الحرية والتغيير» لتصعيد في الشارع بالتزامن مع الجولة الجديدة، بالتلويح بورقة العصيان المدني، الذي لم يحدد موعده بعد، رغم محاولات «العسكر» فض الاعتصام بالقوة خلال الأيام الماضية، آخرها أمس، حين اعتدت قوات تابعة للاستخبارات العسكرية «وبعض فلول النظام السابق» على بعض أفراد اللجان الميدانية، المسؤولة عن تأمين مياه الشرب والطعام للمعتصمين في الميدان، كما أعلنت قوى «الحرية والتغيير»، متّهمة إياه بمنع الحاجات الأساسية عن الصائمين. لكن «العسكري» نفى محاولات فضّ اعتصام الخرطوم بالقوة، إلا أنه شدد في بيان، أمس، على أن ما يحدث خارج منطقة الاعتصام «شأن آخر يستوجب الحسم»، معتبراً إغلاق المعتصمين شارع النيل، أحد الشوارع الرئيسة وسط الخرطوم، لزيادة الضغط على المجلس لتسليم السلطة لمدنيين، «أمر مرفوض تماماً، ويخلق نوعاً من الفوضى والمضايقات، ما يستدعي من الجهات المختصة الحسم اللازم تطبيعاً لحياة المواطنين وحفاظاً على أمنهم وسلامتهم». وبذلك، يسعى «العسكري» إلى الحد من مظاهر الاحتجاج بإبقاء الاعتصام محدوداً غير قابل للتوسع، في وقت أعلن فيه قادة الحراك جدولاً لتصعيد الاحتجاجات يمتد لأسبوع، ويتضمن مواكب عصرية وليلية تتجه إلى ساحات الاعتصام في الخرطوم والولايات، بالإضافة إلى مواكب للمهنيين استعداداً لإضراب عام.
يرفض قادة الحراك الشعبي استئناف التفاوض «بالمنهج القديم نفسه»


وفي حين يُغلق محتجون بعض الشوارع احتجاجاً على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ويحمّلون الفنيين والعمال مسؤولية ذلك الانقطاع، ويقولون إنهم ينتمون إلى «الدولة العميقة»، في إشارة إلى نظام الرئيس المعزول عمر البشير، تبدو خشية «المجلس العسكري» من الإضراب العام كبيرة. وقد ظهر ذلك في رده أمس على اعتصام بدأه عمال وفنيون في إدارة الكهرباء، لمطالبة المسؤولين عن قطاع الكهرباء بإعلان أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ليس مسؤولية العمال والفنيين، بل بسبب عجز يعاني منه السودان، إذ أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المعتصمين داخل الإدارة العامة للكهرباء، ما أصاب بعضهم، وتم نقلهم إلى مستشفى لتلقي العلاج، فيما تدخل أفراد من الجيش بالتصدي لقوات الشرطة، لحماية المعتصمين، ما أدى إلى تراجع الشرطة، ما ينذر بصدام حذر منه المراقبون بين القوات النظامية، يفتح باب الفوضى.
وفي ظل ممارسات تشي بتشبث «العسكري» بالسلطة، لا سيما اتخاذه قرارات ليست من صلاحياته كمجلس انتقالي، كإعلان استمرار المشاركة في حرب اليمن، وإبرام اتفاقيات اقتصادية مع السعودية والإمارات ومصر، وإحداث تغييرات جوهرية في المؤسسة العسكرية والقضاء وجهازي الاستخبارات والأمن، بما يتوافق مع مصالح المشيختين الخليجيتين، اللتين تربطهما علاقات بمعظم أعضاء المجلس العشرة، تؤكد قوى «الحرية والتغيير» أن الخطوات التصعيدية في الشارع «هي الضامن الوحيد لتحقيق أهداف الثورة السودانية»، وهي ترفض استئناف التفاوض «بالمنهج القديم نفسه»، كونه «لا يتسق مع مطالب الشعب». وتشدد على ضرورة البدء بعهد جديد يقتضي عدم التأخير في تهيئة مناخ الاستقرار، لأن طول الأزمة السياسية ينعكس على الشعب في صورة أزمات اقتصادية طاحنة وتذبذب في الخدمات الضرورية. كذلك، أكدت أن ردها على مذكرة المجلس «سيرسل مكتوباً، بعد تحديد نقاط الخلاف مع المجلس العسكري، وأن النقاش حولها (اليوم) سيتم بصورة حاسمة».