يئس الأميركيون ـــ وحلفاؤهم ـــ من القيام بانقلاب كامل في سوريا، ولكنهم يستخدمون، اليوم، أداتهم السورية العرجاء المتمثلة في وفد «الائتلاف» إلى «جنيف 2»، من أجل تحقيق نصف انقلاب يتم، خلاله، إنشاء هيئة حكم انتقالي، بالشراكة مع النظام السوري؛ يجرّون الأخير ــــ تحت وطأة التهديد بالمجابهة مع «المجتمع الدولي» والتهويل بالملفّات الإنسانية المنتقاة طائفياً وتصعيد الضغوط على الروس وحتى التلويح بالخيار العسكري ــــ إلى القبول بتنازلات تمسّ ثوابت الجمهورية العربية السورية، وتفتح الباب أمام تفكيك جبهة الصمود السوري.
هيئة حكم انتقالي؟ حسناً؛ ولكن ألا ينبغي أن تتمثّل فيها أجنحة المعارضة والمستقلون؟ فأين هؤلاء؟ ليسوا، كما هو معروف، موجودين على طاولة المفاوضات! أم أن المطلوب ممثلون للسي آي إيه والمخابرات السعودية في الحكم والحكومة وهيئة أركان القوات المسلحة والأجهزة الأمنية؟ يعني، باختصار، اختراق قلعة النظام السوري بالعملاء.
هيئة حكم انتقالي؟ حسناً؛ ولكن ماذا عن الثوابت الوطنية السورية؟ السيادة بمعناها العياني في خطوط السياسة الداخلية والخارجية، استقلال القرار الدفاعي والاقتصادي، وحدة الأرض وعلمانية الدولة، القطاع العام، حدود الـ 1967 في الجولان، قدرات القوات المسلحة، الدور الإقليمي لسوريا، وهويتها القومية؟ هذه الثوابت هي التي بذل الجيش العربي السوري دماء ضباطه وجنوده في الدفاع عنها، وهي التي تشكّل أساس إعادة بناء البلد ووحدته وانتصاره، وليست موضع بحث أو سجال؛ ليست شأناً انتقالياً ولا «ديموقراطياً»، وإنما هي شرط مسبق لكل انتقال ولكل ديموقراطية، ولا يمكن نقل صلاحيات الحكم إلى أي هيئة لا تقرّ هذه الثوابت أولاً.
هيئة حكم انتقالي؟ حسناً، غير أن شرعيتها ستكون انقلابية حين تتعارض مع الشرعية القائمة التي يمثّلها، دستورياً وواقعياً، الرئيس بشار الأسد؛ ففي سوريا دستور ساري المفعول، ورئيس دستوري هو، في الوقت نفسه، قائد القوة الأكبر في البلاد. ولا يعرقل ذلك، الحلَ السياسيَّ أبداً؛ فالانتقال إلى دستور جديد ممكن، وربما لازم، ولكن بالوسائل الدستورية، ومن دون فراغ دستوري... وبغير ذلك، فنحن لسنا أمام حل سياسي، وإنما في مواجهة انقلاب. والانقلاب يحدث بالقوة. والقوة الانقلابية تُستخدَم في سوريا منذ ثلاث سنوات بلا طائل، وبسبب هذا الفشل بالذات انعقدت طاولة الحل السياسي. وهذا الحل ـــ إذا كان سياسياً ـــ فلا بد أن يكون دستورياً؛ بخلاف ذلك، فهو منطق القوة الواقعية التي يُرَدّ عليها بالقوة الواقعية.
التفاهم السياسي، في المقابل، هو على حكم انتقالي دستوري، أي من خلال حكومة يأمر الرئيس الدستوري بتشكيلها، ويقرّر الدستور الحالي صلاحياتها، بما في ذلك الشروع في بحث التعديلات الدستورية التي تتوافق أطراف الحكم الانتقالي عليها، وتناقشها قوى المجتمع السوري، ويقرها استفتاء، قبل إقرار قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية.
هل يمكن إنجاز كل ذلك قبل انقضاء الفترة الرئاسية الدستورية الحالية المنتهية في غضون ستة أشهر؟ يمكن بالتأكيد، إذا كانت لدى المعارضين نية حقيقية لقيام حكم انتقالي لا القيام بانقلاب. وهذه المعادلة، لن تتغير إذا انقضت الفترة الرئاسية؛ فالفراغ غير ممكن، وستُعقَد انتخابات رئاسية في موعدها، تفضي إلى رئاسة دستورية هي الجهة الشرعية الوحيدة المؤهلة لاتخاذ قرار بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي.
بالخلاصة، هناك خياران لا ثالث لهما: الحل السياسي في إطار السيادة السورية ــــ فهو، بالتالي، محكوم بالدستور القائم وبالوسائل الدستورية ــــ أو الانقلاب بالقوة. والأخير ساحته ميدان القتال، وليس المفاوضات.
وفد «الائتلاف»، كممثل للحلف الامبريالي ــــ الرجعي ــــ الطائفي، لا يريد، في الحقيقة، حلاً سياسياً إلا إذا تضمن أقله تحقيق نصف انقلاب؛ وبغير ذلك، فهو يريد مواصلة الحرب، وبما أن قواه الحربية تكمن في الإرهاب تحديداً، فهو يرفض إدانة الإرهاب، أو التوافق على مكافحته؛ ففي هذه الحال يخسر أدواته، ومصدر حضوره في السياسة السورية.
وإذا وضعنا كل ذلك جانباً، وذهبنا إلى هيئة حكم انتقالي بالشروط الأميركية ــــ الرجعية، فما الذي سيحصل واقعياً؟ قسم صغير من الجماعات المسلحة، سيلتزم وقف القتال، لكن القسم الأكبر منها ــــ المجنّد على أساس طائفي تكفيري والمجاهد لإقامة دولة دينية، وهذا هو حال تنظيمات «الجبهة الإسلامية» ومعظم فصائل «الجيش الحر»، عداك عن تنظيم «القاعدة»/ «النصرة»، سيواصل القتال، حتى آخر طلقة، وسيجد، في حال جرى وقف الدعم عنه، في «داعش»، حليفاً ونصيراً.
نقطة البدء الواقعية الوحيدة للحل السياسي في سوريا، تبدأ باتخاذ موقف اجماع صارم من الجماعات المسلحة، لا على أساس التصنيفات الاستخبارية وإنما على أساس تصنيف فكري وسياسي؛ فكلُّ جماعةٍ تكفيرية تسعى الى إقامة الخلافة أو فرض الشريعة الخ، وتنطلق من العداء للدولة القومية العلمانية، وتستخدم العنف، هي، بالتعريف، جماعة إرهابية، وينبغي ضربها، سواء أكانت في التصنيف الأميركي ــــ السعودي، إرهابية أم «معتدلة».
2 تعليق
التعليقات
-
تعليقي من خارج الموضوع ، فيتعليقي من خارج الموضوع ، في ظل الحديث عن تدخّل عسكري فرنسي وأمريكي ابتداء من الأراضي الأردنية وكل المعلومات القادمة من هناك تقول وكأن هناك حشدا للمواجهة ، جيش يقابله جيش ...!! حبّذا لو تخبرنا على الدور الأردني الذي كنت تصرّ على طول الخط تلّطفه ولا تشير إلى خطورته بالشكل الذي أتت به المعلومات هذه الفترة ،،، وبالمناسبة أنت في موقفك هذا أستاذ ناهض تشبه كثيرا التصريحات السورية حول تورّط الأردن وآخرها كان اللقاء مع الجعفري ورغم تأكيد على تلك الاستعدادات إلا أنّ كل الدبلوماسيّة السوريّة تأبى حتى اليوم اتّهام الأردن صراحة بما هو متورّط به ،،، فهل الأمر من باب أن الأردن لاحول له ولا قوّة وإن لم يذعن ويمتثل للسعودي والأمريكي فربّما لم يجد الشعب الأردني رواتب تصرف له بعد حين وذلك حين انقطاع المساعدات الخارجيّة عنه ! هل كونه ممرا لا مقرا يعفيه من المسؤوليّة ؟! هل يمكن أن نعوّل على شرفاء الأردن أن يعلوا الصوت ويمنع اجتياح البلد انطلاقا من أراضيه ؟! أم أنها جولة للباطل وبالتالي لممثليه المنتشرين ،، حبذا لو تضيء على هذا الأمر ونحن قاب قوسين أو أدنى من قرع طبول الحرب ورياح الحرب الآتية إلينا من جهة الأردن
-
خارطة طريقاليوم أصبح اللعب على المكشوف . روسيا ، إيران ، سوريا والمقاومة ، حلف يعمل باتجاهين ، مكافحة الإرهاب على الأرض ، ومتابعة المفاوضات في جنيف ، على أساس ثابت ومواقف مبدئية ، يسيرون بالتفاوض بثقة وتمكن خطوة خطوة ، أوراقهم قوية ، وأفكارهم واضحة ، وطريقتهم مشروعة ، وأساليبهم مبررة ، الجدية والصدق والوطنية والتمثيل الصحيح ، والهدف هو الوصول إلى حل الأزمة سياسياً ، لكنه بالمقابل لا خوف ولا جزع ولا مساومة على المواقف ، التهديدات بالحرب وبالفصل السابع وبغير ذلك ، لم يعد نافعاً ، إن هم أرادوا الانسحاب من التفاوض ، فهذا شأنهم ، نحن مستمرون لأجل سورية ، إن هم عادوا للحرب عدنا مثلهم وأكثر ، نحن على أهبة الاستعداد للمعركة ، والمواجهة سياسية كانت أم قتالية ستكون في صالحنا بالتأكيد ، والنصر آت كما في كل مرة . أمريكا والغرب عموماً والسعودية وغيرهم من ذات الحلف ومعهم وفد الائتلاف الذي يسمونه المعارضة وكل من رفع السلاح بوجه الدولة على الأرض ، كشفوا على حقيقتهم ، هم يمثلون الإرهاب ، سياستهم المراوغة والخداع والكذب ، المناورة من وراء المناورة ، استخدام التهديد والتهويل والتخويف والتلاعب والتظاهر بحسن النوايا ، وتجميع القوى ورص ما أمكن من الصفوف لبدء جولة جديدة للباطل ، يحاولون بمزيد من الضغط والإجبار والقهر والتشدد لمن قراره مستقل عن إرادتهم أن يخسروا الآخر ، ولن يكون لهم ذلك . إن غداً لناظره قريب ، وإن للباطل جولة ، بعدها ستبدأ جولة الحق الذي لن يضيع .