الخرطوم | فشلت الجولة الثالثة من المفاوضات بين «المجلس العسكري الانتقالي» وتحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، بقيادة «تجمع المهنيين السودانيين»، في التوصل إلى اتفاق على تكوين صلاحيات مجلس سيادي يقود البلاد في الفترة الانتقالية، بعد حدوث اختراق نسبي في جولة سابقة جمعت الطرفين نهاية الأسبوع الماضي، حين اتفقا على تكوين المجلس السيادي المشترك. وتبدو نسبة التمثيل محطّ الخلاف الأبرز على طاولة المحادثات. فبينما يقترح «المجلس العسكري» أن يتكون المجلس السيادي من 10 أعضاء، موزعين بين 7 عسكريين و3 مدنيين، تقترح قوى «الحرية والتغيير» أن يتكون من 15 عضواً، بينهم 7 عسكريين و8 مدنيين. لكن مصدراً مطلعاً على المفاوضات كشف لـ«الأخبار» أن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في «مَن ستؤول إليه رئاسة المجلس خلال الفترة الانتقالية»، مشيراً إلى أن «العسكر يتمسك بأن تتولى السلطة العسكرية الرئاسة، بينما ترى قوى الحرية والتغيير أن تكون رئاسة المجلس متبادلة بين المدنيين والعسكريين، على أن يتم تبادلها كل ستة أشهر».وعقب الاجتماع بساعات، أعلنت قوى «الحرية والتغيير» أنها اتفقت على أن الأولوية هي لتحديد جميع الهياكل الانتقالية وصلاحيات كلّ منها، لكنها دعت إلى استمرار الاعتصام والمواكب «لتحقيق كافة أهداف الثورة والتغيير»، وأهمها مدنية السلطة الانتقالية بجميع صلاحياتها التنفيذية والتشريعية، نافيةً ما كان قد أعلنه المتحدث باسم «المجلس العسكري»، الفريق شمس الدين كباشي، خلال مؤتمر صحافي، أمس، من أن قوى إعلان «الحرية والتغيير» التزمت بالسماح بعبور القطارات وفتح الجسور وإزالة الحواجز من الطرقات، في خطوة علّلها بأن الغرض منها ليس فضّ الاعتصام، بل إزالة «الممارسات السالبة» التي تعطل حركة مرور المواطنين والبضائع.
دعا ناشطون إلى «اتخاذ خطوات عاجلة لتصحيح مسار الثورة قبل الالتفاف عليها»


في ضوء ذلك، تبدو الأمور متجهة نحو التصعيد بين «العسكري» وقوى «الحرية والتغيير»، الأمر الذي وصفه المحلل السياسي، حاج حمد بـ«المشكلة التاريخية في كل عمليات التواصل التي جمعت السلطة المدنية والعسكرية». وعاب حمد، في حديث إلى «الأخبار»، على قوى «الحرية والتغيير» دخول مفاوضات من دون دراسة السيناريوات المتوقعة، قائلاً إن «عليها أن تدرك أن فريقهم المفاوض عاجز، ودخل لتمثيل محاصصات سياسية»، مشيراً إلى أنها «أضاعت الكثير من الوقت بسوء التخطيط والحماسة الذي لا تفيد». كما أنه عاب على «المجلس العسكري عدم استيعابه أنه يحكم المدنيين بالبندقية، وليس بالعدد والكثرة في المجلس السيادي»، موضحاً أنه «إذا تم تمثيل العسكر بشخص واحد في المجلس السيادي فقط، فهذا يكفي، لأنه سيكون بمثابة جهاز الاستخبارات الذي يوصل إلى القيادة قرارات المجلس السيادي أولاً بأول». وأضاف أن «المجلس العسكري يفتقر إلى فريق من الخبراء، كما اتضح أن الطرفين لا يمتلكان سعة صبر وتسامح للتفاوض، ومقدراتهم العلمية في المفاوضات ضعيفة، وبالتالي، الوصول إلى طريق مسدود نتيجة حتمية، خاصة إذا انحصرت المفاوضات في المحاصصة».
واعتبر حمد أن القيادة العسكرية للمجلس السيادي، في ظلّ الظروف الإقليمية الحالية، ستجعل الأخير تابعاً لمحور السعودية والإمارات، لكنه لفت إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعلنا عدم تعاملهما مع حكومة عسكرية، فيما أمهل الاتحاد الأفريقي العسكر ثلاثة أشهر لتسليم السلطة لحكومة مدنية. وحذر قيادة «المجلس العسكري» من «تمرد في الجيش قد يؤدي في النهاية إلى حرب أهلية في حال تمسكه بقيادة المجلس السيادي»، لافتاً إلى أن «المجلس العسكري يعلم أن وحدة الجيش في مهبّ الريح»، وأن «صغار الضباط هم الذين أجبروا قيادة الجيش التي تدين في معظمها بالولاء للنظام السابق، على الاصطفاف مع الشارع». وأضاف أن «على القيادة في المجلس العسكري أن تعي ذلك جيداً، وأن الوقت ليس في صالحهم، فسمعتهم تسوء كل يوم وسط الجنود».
وفي الوقت الذي بدأ يظهر فيه اختلاف الرؤى بين الأحزاب الموقّعة على «ميثاق الحرية والتغيير»، لا سيما «تجمع المهنيين»، دعا ناشطون عقب تصريحات المتحدث باسم «المجلس العسكري»، إلى «اتخاذ خطوات عاجلة لتصحيح مسار الثورة قبل الالتفاف عليها من قبل العسكر»، ووجّهوا نداءات إلى «تجمع المهنيين» بإعلان جدول التظاهرات في المدن المختلفة لقطع الطريق أمام محاولات «المجلس العسكري» كسب الوقت وممارسة سلطات تنفيذية وتشريعية ليست من ضمن صلاحياته. وفي حين بدا أن «المجلس العسكري» يتجه بخطوات حثيثة نحو فضّ الاعتصام وإنهاء مظاهر الاحتجاج، بالدعوة إلى فتح الطرق وإصدار توجيه لوزارة التعليم العالي باستئناف الدراسة في كل الجامعات، شدّد أحد الناشطين المعتصمين في باحة القيادة العامة للجيش في العاصمة، عمر أحمد، على أنهم لن يغادروا مكان الاعتصام حتى تتحقق جميع مطالبهم. وأضاف لـ«الأخبار»: «أنا لا أقبل حتى بتمثيل عسكري في المجلس السيادي»، معتبراً أن «مهمة العسكر هي توفير الحماية والأمن فقط، وليست ممارسة السياسة»، فيما شبّه ناشط آخر يُدعى علي التوم ممارسات «العسكري» بأسلوب «الكيزان»، في إشارة إلى أنصار النظام السابق من الإسلاميين، معتبراً أن القصد من «قرار استئناف الدراسة كسر الاعتصام، لكننا سنذهب لحضور المحاضرات فقط، أما بقية اليوم فسنواصل الاعتصام».