أغلقت صناديق الاقتراع في مصر أبوابها مساء أمس، بعد تصويت استمرّ ثلاثة أيام على التعديلات الدستورية التي أقرّها البرلمان الأسبوع الماضي. وجرت عملية التصويت وسط إجراءات أمنية مشددة في مختلف المدن المصرية، إلى جانب السفارات في الخارج، التي أرسلت غالبيتها النتائج إلى «الهيئة الوطنية للانتخابات». واشتغلت هذه الأخيرة، بجدّ، على رفع نسبة التصويت، إلى حدّ إجبار المواطنين في أطراف القاهرة مثلاً على الذهاب إلى مراكز الاقتراع بالاستعانة بالقوات الأمنية.هكذا، لعبت «الهيئة»، بقراراتها الاستثنائية، دوراً في دعم الداخلية والجيش وأجهزة الدولة في حشد المواطنين، بعدما أُنشئت لجان استثنائية في مناطق أُجبر العاملون فيها على التصويت، وهو ما حدث في العاصمة الإدارية ومدينة الإنتاج الإعلامي وبعض المناطق في السويس، والتي قام فيها رجال الأعمال بتوجيه العمال للجان المخصّصة لأسمائهم مسبقاً من أجل التصويت، حيث جرى التأكد من مشاركتهم في الاستفتاء، خاصة مع التلويح بعقوبات على المقاطعين أو الرافضين للمشاركة في الاستفتاء. كذلك، حذفت «الهيئة» عدة أسماء من جداول الناخبين من دون مبرر، سوى معارضتهم الشديدة للنظام، وفي مقدمتهم الناشطة منى سيف، بالإضافة إلى السماح بتصويت المغتربين من دون وجود آلية محددة لمنع التصويت المزدوج. أيضاً، احتكرت «الهيئة» لنفسها حق إعلان نتائج الاستفتاء؛ إذ منعت السفارات واللجان الفرعية واللجان العامة من إعلان النتائج، وحظرت على الإعلام نقل أي منها، مكتفية بأن تقوم جميع اللجان والسفارات والقنصليات التي جرى فيها التصويت بإرسال النتائج منفردة إليها، لتقوم هي بتجميعها وإعلانها خلال خمسة أيام، قبل أن تعقد مؤتمراً صحافياً لإعلانها الخميس أو الجمعة المقبلين على أقصى تقدير.
هذه المرة تبدو نسبة المعارضة أكبر من أيّ استحقاق رئاسي في عهد السيسي


نائب رئيس «الهيئة»، المستشار محمود الشريف، أعلن أن جميع السفارات والبعثات الدبلوماسية أرسلت نتائج التصويت إلى وزارة الخارجية، التي قامت بدورها بتسليمها إلى «الهيئة»، حيث تجري الآن عمليات حصر وتجميع تلك الأصوات تمهيداً لإعلانها، مشدداً على حظر تناول وسائل الإعلام أي مؤشرات أولية أو أرقام للفرز قبل إعلانها رسمياً. وفي محاولة لإضفاء الصدقية على كلامه، تحدث الشريف عن تلقي العديد من الشكاوى حول خروقات في محيط اللجان الانتخابية، كتوجيه الناخبين لاختيار معين في ورقة الاستفتاء، أو توزيع سلع تموينية عليهم للغرض نفسه، مشيراً إلى أن «الهيئة» تحيل أولاً بأول تلك الشكاوى إلى لجنة قانونية مؤلفة برئاسة أحد أعضائها، وتنتظر مذكرات من اللجنة حول رأيها في هذه التجاوزات.
لكن المخالفات التي يتحدث عنها الشريف إنما وسمت سلوك السلطة والجهات الموالية لها، إذ لم تختلف ممارسات دولة عبد الفتاح السيسي عن ممارسات دولة «الإخوان» في الاستحقاقات الانتخابية. فعبر حزب «مستقبل وطن»، الذي تديره الجهات السيادية، أشرف الحزب وأعضاؤه على توزيع «كراتين» تحمل سلعاً غذائية (زيت، سكر، سمن) على المواطنين مقابل إدلائهم بأصواتهم. بداية، يُمنح المواطن ورقة برقم (بون)، ثم تُختم بعد قيامه بالتصويت، وفي المرحلة الأخيرة يتسلم المصوِّت «الكرتونة» من أحد الأماكن القريبة من اللجان، وسط صمت قضائي وشرطي كامل على العملية التي كانت تتم خارج حرم اللجان، وبعضها اشترك فيه موظفون من الموجودين داخلها. هكذا، أدارت الدولة عملية الاستفتاء بشكل يشبه ما حدث في الانتخابات الرئاسية، وإن كانت نسبة الإقبال هذه المرة أقلّ نسبياً، فلم تشهد اللجان الانتخابية زحاماً في أي من ساعات اليوم، لكن الإعلام المصري اعتمد على لحظة وجود رجال وسيدات أمام اللجان لتبدو أكثر ازدحاماً من أي وقت مضى.
على المقلب المضاد، بدا لافتاً علوّ مستوى الشجاعة لدى معارضي النظام، حتى من الشباب الذين أيّدوا في فترات سابقة التصويت برفض الدستور، إذ لم يتردّدوا في إعلان موقفهم، بينما اكتفى آخرون بإعلان مشاركتهم من دون توضيح موقفهم من الاستفتاء، ومنهم شباب التحقوا بـ«البرنامج الرئاسي للشباب» وكتبوا تدوينات مضادة لعملية الاقتراع على حساباتهم الشخصية. هذه المرة تبدو نسبة المعارضة أكبر من أي استحقاق رئاسي جرى في عهد السيسي. يصعب تمرير الدستور بأكثر من 90% كما كان مأمولاً، خاصة مع المعارضة الشبابية. معادلة قد يغيّرها فقط حجم التلاعب في نتائج بعض المناطق، خاصة أن عمليات توجيه ممنهج جرت حتى داخل اللجان من أجل التصويت بنعم.