تتطور المعركة في العاصمة الليبية طرابلس شيئاً فشيئاً. فبعد شن طائرات حكومة «الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً غارات على قوات مهاجمة في مدينة غريان (جنوب طرابلس)، نشطت طائرات قوات المشير خليفة حفتر، أمس، وشنت ضربات قرب مطار طرابلس الدولي (خرج عن العمل منذ عام 2014). وهي تنطلق من الأراضي المصرية، وتحديداً من قاعدة محمد نجيب العسكرية، المطلة على ساحل البحر المتوسط، وأكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط. وعلمت «الأخبار»، أن الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، برفقة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى القاعدة قبل أيام قليلة خلال زيارة الأخير لمصر، كانت بهدف الاطمئنان على القوات المصرية والإماراتية، التي ستشارك في العملية، حيث يوجد عدد من الطيارين الإماراتيين برفقة نظرائهم المصريين من أجل تنفيذ الغارات الجوية التي تدعم تحركات حفتر.وتقوم الطائرات بالتحرك على مسافة طيران منخفض في الحدود المصرية، قبل أن تحلق على مستوى أعلى مع دخولها الحدود الليبية، حيث تستغرق في الوصول نحو 25 دقيقة، مع الأخذ في الاعتبار أن تحركات الطائرات تتم بالتنسيق بين سلطات الطيران المدني المصري والسلطات العسكرية، لتجنب أي رصد من قبل الطيران المدني لعملية تحرك الطائرات التي توصف بأنها مجهولة داخل الأراضي الليبية.
غابت تهديدات غسان سلامة بالعقوبات الدولية رغم أن المعتدي واضح


ولا يبدو مشهد الحرب محصوراً في العاصمة، إذ أعلن الناطق العسكري الجديد باسم حكومة الوفاق، محمد قنونو، إطلاق عملية «بركان الغضب»، التي قال إنها لا تهدف فقط إلى دحر قوات حفتر، بل كذلك إلى «تطهير كافة المدن من القوات الخارجة عن الشرعية». هذا التحول، من حصر العمليات في الدفاع عن طرابلس إلى فتح جبهات قتال على كامل الأراضي الليبية، جاء بعد كلمة ألقاها رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، يوم السبت، أوضح فيها ما يحصل من وجهة نظره، إذ قال إن الحديث كان قبل أيام عن «وجود فرصة حقيقية لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار»، لكن «تم نقض العهد ومحاولة الطعن في الظهر». ويعني ذلك أن المعركة الشاملة رد فعل على هجوم حفتر، وهي في واقع الأمر أخرجت أكثر القوى جذرية في غرب البلاد من سباتها، إذ وصل «لواء الصمود» إلى طرابلس أمس، ويقود هذه القوة صلاح بادي، أحد أبرز الفاعلين المعارضين لحفتر منذ أعوام. بادي كان معارضاً لحكومة الوفاق منذ تأسيسها، وقد شارك في الحرب عليها في الصيف الماضي، عندما هاجم «اللواء السابع مشاة» طرابلس بزعم مقاتلة الميليشيات المحلية هناك، لكنه صار الآن في خندق واحد مع حكومة السراج.
إضافة إلى بادي، تحدث أيضاً قبل يومين إبراهيم الجضران، الذي يقود ميليشيا طردها حفتر من منطقة الهلال النفطي قبل أعوام. وقال الجضران، الذي كان يرأس فرع المنطقة الوسطى لـ«حرس المنشآت النفطية»، والذي شنّ العام الماضي هجوماً مباغتاً على قوات حفتر في الموانئ النفطية، إنه سيطلق عمليات جديدة في المستقبل القريب. وليس الجضران وحده، إذ أعلن قائد «سرايا الدفاع عن بنغازي»، مصطفى الشركسي، الذي دحره حفتر من المنطقة الشرقية، أنه سيطلق هجومات مماثلة على القوات القادمة إلى طرابلس.
في ضوء ذلك، ظهر مهدي البرغثي، بعد غيابه لأكثر من عام، منذ إقالته من منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق، وذلك خلال زيارة أجراها لـ«البوابة 27»، التي استعادتها قوات المنطقة الغربية من تشكيلات حفتر (تم خلال ذلك أسر حوالى 121 جندياً تابعاً لحفتر). والبرغثي معارض شرس لحفتر، وقد جاءت إقالته بعد اتهامه بإعطاء تعليمات لقوات تتبعه بالهجوم على قاعدة «براك الشاطئ» في الجنوب، ما أدى إلى مقتل 140 شخصاً من قوات حفتر.

صمت دولي... علامة رضى
منذ انطلاق الهجوم على طرابلس، لم تزد المواقف الدولية عن الدعوة إلى وقف القتال والاحتكام إلى الحل السياسي، إلى درجة دفعت السراج إلى القول، خلال كلمة ألقاها أول من أمس، إنه «يجب على المجتمع الدولي أن لا يساوي بين المعتدي والمدافع عن نفسه، أو بين الساعي لعسكرة الدولة والملتزم بالدولة المدنية الديموقراطية».
هذا التنديد تجاه جميع الفاعلين الدوليين، لم يمنع السراج من توجيه رسالة إلى داعمي حفتر الخارجيين، بالقول بوضوح، إن الهجوم جاء «نتيجة حسابات سياسية خاطئة من بعض الأطراف المحلية والدولية، وتأتي على حساب قضايا تمس أمن الوطن واستقراره ووحدة ترابه وسلامة أراضيه». كما وجّه «كلمة أخيرة إلى الدول التي تدعم تقاتل الليبيين»، قائلاً: «ارفعوا أيديكم عن بلادي فعلى الباغي تدور الدوائر».
احتجاج السراج على المواقف الدولية الباردة لم يغيّر كثيراً في الأوضاع، فبعثة الأمم المتحدة، التي يرأسها غسان سلامة، اكتفت بالدعوة أمس إلى هدنة بساعتين، لم يستجب لها أي من المتقاتلين، كما غابت تهديدات سلامة السابقة بالالتجاء إلى سلاح العقوبات الدولية على الأشخاص، رغم أن المعتدي واضح. والغريب أن رئيس البعثة لا يزال متمسكاً بعقد «الملتقى الوطنيّ» يوم الأحد المقبل، وهو موقف وافقه عليه الناطق باسم جيش حفتر، أحمد المسماري، ما يصبّ في صالح التحليل القائل بأن حفتر شن الهجوم لتقوية موقفه التفاوضي.
رغم ما سبق، خرق الصمت الدولي وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، في تغريدة على حسابه في «تويتر» قال فيها: «نراقب الوضع في ليبيا، ولا يوجد تبرير لتحركات قوات حفتر تجاه طرابلس». وفي واقع الأمر، يبدو أن بريطانيا هي البلد الوحيد الذي يعمل على إخراج موقف معارض لحفتر، إذ دعت أيضاً إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي، انعقدت يوم الجمعة، ولم تخرج بموقف واضح عدا دعوة فضفاضة إلى عدم الاحتكام إلى السلاح.
في الأثناء، يواصل الداعمون الإقليميون لحفتر حملة الدعاية لحربه، إذ تعمل وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والمصرية على ضخّ الإشاعات والتحريض على امتداد اليوم، كما ينشط أيضاً ذبابها الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، على نحو منظم، تقوده شخصيات بارزة على غرار ضاحي خلفان، الذي صار فجأة فقيهاً في الشؤون الليبية، ويتحدث كما لو أنه أحد قادة القوات على الأرض.