■ هناك شعور، من خلال متابعة الجولة الثانية من «جنيف 2»، بأن الأمور لا تتقدم وربما عادت الى نقطة الصفر. قدِمنا منذ البداية لإنجاح هذا المؤتمر، وذلك انعكاساً لرغبة الشعب السوري في عودة الأمن والسلام والاستقرار الى هذا البلد. لكن هذه الرغبة اصطدمت بالأجندات الأميركية والإسرائيلية والغربية والإقليمية التي لا تريد الأمن والخير لسوريا، والتي مارست طيلة السنوات الماضية التضليل والكذب وتشويه صورة الحكومة السورية وشيطنة القيادة السورية.

لكن في الجولة الاولى، وبسبب وجود وسائل الاعلام العالمي في جنيف واضطرارها إلى التواصل معنا، قمنا بتوضيح هذه الصورة، وعدنا الى الجولة الثانية بالنفس الإيجابي نفسه الذي عبّرنا عنه في الجولة السابقة. لكن «الائتلاف» أتى مهووساً باقتراح نقل السلطة، علماً بأن نقل السلطة مقيّد بقضايا دقيقة جداً في بيان «جنيف 1». كيف يمكن أن نتحدث عن حكومة انتقالية ونحن لم نوقف سفك الدم ونكافح الإرهاب الذي يتعرض له الشعب السوري؟ لذلك نعتبر كل من يدعو الى أي شيء آخر يتناقض مع وقف العنف والإرهاب إرهابياً ويدعم الإرهاب. ونحن رددنا على هؤلاء بأننا مع وثيقة جنيف كما هي من دون أي تحليل أو تعديل أو إعطاء أولوية لهذا الموضوع أو ذاك. نحن مع مناقشة بيان جنيف بدءاً بعنوانه وانتقالاً الى الفقرة الاولى والثانية وصولاً الى آخر كلمة من البيان، وأؤكد مرة أخرى أننا لن نتردد في مناقشة موضوع الحكومة الانتقالية في إطار ما ورد في وثيقة جنيف.

■ هناك طرح جديد حول التزامن بين البندين الخلافيين، بند وقف العنف وبند تشكيل الهيئة الانتقالية؟
هذا تلاعب بالكلام، لماذا طرح هذا التزامن؟ هل يطرح بيان جنيف التزامن؟ هذه الفكرة أتت للالتفاف على هذه الوثيقة، وتعبّر عن الضغط الاميركي والاسرائيلي والسعودي. هذا التزامن يراد به باطل، وهو لإمرار أجندة الطرف الآخر. لا يوجد في «جنيف 1» مثل هذه الافكار، ويجب أن يعود السيد الاخضر الابراهيمي الى البيان لكي نحدد جدول أعمال صالحاً للعمل بطريقة منهجية ومنطقي.

■ ما الذي سيحمله لقاء الجمعة المقبل بين مساعدي وزيري الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، والاميركي، وندي تشيرمان؟ وهل يعني ذلك أن المفاوضات باتت أمام حائط مسدود وفي حاجة إلى قوة دفع من الدول الراعية؟
يجب ألا يتم أي شيء على حساب المبادئ. الاتحاد الروسي يدعم المبادئ ويدعم وثيقة جنيف ويدعم وجهة نظرنا في ما يتعلق بمناقشة هذه الوثيقة بنداً بنداً، ولذلك تبنّوا وجهة النظر هذه. الطرف الأميركي والغربي والائتلاف هم من يعرقلون بدء تحقيق إنجازات في هذه العملية. ونحن لا يمكن أن نخالف إرادة الشعب السوري في البدء بطريقة منهجية تقضي على الارهاب وتسمح بإعادة الامن والسلم الى نفس كل مواطن سوري وتمنع أي تدخل خارجي.

■ من الملاحظ أن هناك تغييراً في لهجة «الائتلاف» تجاه الروس من الإيجابية أثناء الجولة الأولى الى السلبية بعد زيارة أحمد الجربا لموسكو. ماذا قال الروس لـ«الائتلاف»؟
لا أريد أن أتحدث نيابة عن الاصدقاء الروس، لكن أي عاقل في هذا العالم لا يمكن أن يقبل بهذا المنطق المنحرف والارهابي الذي يعبّر عنه ممثلو «الائتلاف». آمل أن يعبّر الاصدقاء الروس عن موقفهم بكل وضوح، لأنهم يعرفون وثيقة جنيف من ألِفها الى يائها، وهم شاركوا في صياغتها ويعرفون جيداً أن هناك محاولات لتمزيق وثيقة جنيف وإيجاد مرجعيات أخرى بديلاً لها، ونؤكد أن هذه الالعاب لا تنطلي على الاصدقاء الروس ولا علينا.

■ هل كان لغياب إيران عن بداية هذه المفاوضات أثر في إعاقة المفاوضات وعدم تقدمها؟
بالتأكيد لا. أؤكد أن إيران موجودة في هذه المحادثات، وهي تتابع بنحو دقيق ويومي ما يجري في مفاوضات جنيف، وهنا أريد أن أوضح أن ما حدث في مونترو هو تظاهرة سياسية احتفالية، لكن الكلام الحقيقي لم يكن في مونترو، كنا نعرف مسبقاً ماذا سيقول كل وفد. رتّبوا حفلاً افتتاحياً على الطريقة الاميركية والغربية بالتعاون مع حلفائهم وأدواتهم ليظهروا أن هذا العالم كله موحد ضد سوريا. لكن عندما تكون هنالك دول مثل روسيا والصين وجنوب أفريقيا ولبنان وآخرين، فإن هذه الاصوات هي التي تعكس ضمير الانسانية وتعكس ضمير شعوب هذه البلدان. كلمات (جون) كيري و(لوران) فابيوس والسعودية وآخرين هي كلمات حرب في مؤتمر للسلام، لماذا أتوا إذن؟ إذا كانوا قد أتوا من أجل دعم الارهاب ولقتل المزيد من السوريين فلماذا جنيف؟

■ حذّرت من أنه إذا لم يتوقف الارهاب في سوريا فإنه سينتقل الى الدول القريبة وتلك التي تموّل وتسلّح المجموعات الإرهابية، ما المقصود بهذا التحذير؟
هؤلاء يلعبون لعبة الشيطان. يدعمون الارهاب معتقدين أنه لن يعود اليهم، لذلك لاحظنا في الاشهر القليلة الماضية صحوة شعبية على مستوى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، وهي تعكس خوفاً حقيقياً من أن هؤلاء الجهاديين، الذين تموّلهم جهات إقليمية معروفة، بما في ذلك السعودية، سيعودون في يوم من الايام الى ممارسة القتل والإرهاب في بلادهم. لذلك اتخذت السعودية قراراً بمنع الارهابيين السعوديين من العودة اليها، وهذا ليس قرار رحمة بل قرار قتل. عندما يصدر قرار كهذا يهدد أي عائد من العمليات الارهابية في سوريا بالسجن من ثلاث الى عشر سنوات، فإنهم عملياً يقولون لهم: لا تعودوا. ابقوا هناك وموتوا هناك. من جهة أخرى، ما قيمة هذا القرار إذا لم تكن له انعكاسات مباشرة على تسليح الارهابيين ووقف تمويلهم بالمليارات أو الضغط على دولٍ أخرى كالأردن من أجل إمرارهم الى سوريا وتحويل هذا البلد مركزاً للتآمر على سوريا، إضافة الى توتير الاوضاع في لبنان الشقيق؟ الى ذلك، وهذا مهم جداً، فإن السعودية اعترفت في هذا القرار بأن السعوديين يقومون بأعمال الارهاب في سوريا. ثم إن الارهاب لم ينعكس فقط على لبنان، بل هناك عشرات العمليات الارهابية التي تنفّذ يومياً في العراق.

■ من هي الجهة الارهابية التي تضرب في لبنان. من يموّلها ويدعمها؟
أعتقد أن تيار المستقبل متورط حتى أذنيه في كل الاعمال الإرهابية التي تحصل في سوريا، وهو خصص أموالاً تأتيه من السعودية لتخريب الاوضاع في سوريا وعيّن أشخاصاً يتابعون أعمال القتل وتنفيذ الاعمال الارهابية، كما شجع كل هذه التنظيمات التكفيرية داخل لبنان لخلق فتنة طائفية في هذا البلد، وهي الفتنة التي عملت سوريا على وأدها في زمن الوجود السوري في لبنان.

■ هل تعتقد أن لتيار المستقبل القدرة على كل ذلك؟
القدرة على ترتيب الارهاب لا تحتاج الى قوة خارقة. هم يتلقون الاموال ويشترون الأنفس وينظمونها ويزودونها بالسلاح والمال ويرسلونها الى سوريا، وعندما يفشلون في سوريا يحوّلونها الى الداخل اللبناني لخلق وقائع جديدة في وجه المقاومة. وهذا يظهر بكل وضوح من خلال ممارسات عقاب (صقر) و(رئيس الحكومة الاسبق سعد) الحريري والأدوات الأخرى.

■ هناك من يعزو الأعمال الإرهابية في لبنان الى دخول حزب الله في الحرب الى جانبكم؟
لا أريد التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. كفى لبنان ما مرّ به وما سيمر به. إذا لم يتوقف تيار المستقبل عن الممارسات التي تشجع الإرهاب، فسيكونون أول من يعاني من تأثيراته، كما سيعاني الشعب اللبناني نتيجة هذه السياسات البائسة، ونحن واثقون من أن تيار المستقبل الذي بدأ يفقد تأثيره الكبير على الساحة اللبنانية سيشعر في نهاية المطاف أنه أصبح أداة من أدوات الارهاب وعليه التوقف عن ذلك.
■ ماذا تقصد بعبارة «كفى لبنان ما مرّ به وما سيمرّ به»؟ ماذا تتوقع؟
لا أتمنى للبنان إلا كل خير، وأن يكون على أطيب العلاقات مع سوريا التي ضحّت بـ15 ألف جندي من أجل حماية أرواح اللبنانيين، ولكن يبدو أن البعض ذاكرتهم قصيرة. حين نتوجه الى كل اللبنانيين لمحاربة هذه التوجهات، فذلك حفاظاً على لبنان وعلى العلاقة التي خلقها الله بين لبنان وسوريا.

■ هل تتوقع تقدماً في المفاوضات قبل الانتخابات في سوريا؟ وهل تمثّل هذه الانتخابات بالنسبة إليكم مفصلاً أساسياً في مسار الازمة؟
نحن لا نربط بين ما يجري في جنيف وهذه الاستحقاقات الوطنية التي نؤكد أنها يجب أن تحصل في مواعيدها المحددة، لأننا نعكس إرادة الشعب السوري، وسنقوم بكل ما يخدم مصلحة هذا الشعب.

■ هل سيعود الرئيس السوري بشار الاسد رئيساً من جديد لسوريا؟
أنا واثق من أنه إذا أراد سيادة الرئيس أن يرشح نفسه، وهذا حقه كأي مواطن سوري، فإنه سيلقى كل الدعم من الشعب.

■ رفضتم في الجولة الأولى مناقشة أي ملف إنساني باعتبار أن ذلك ليس من اختصاص مفاوضات جنيف، وفي الفترة الفاصلة بين جولتي جنيف بادرتم الى حل أزمة حمص القديمة، ما المقصود بهذه العملية؟
هذا يؤكد صدقية ما ذهبنا اليه عندما ضغطت الولايات المتحدة على كل العالم، من الاعلام الى الحكومات، لكي يتم التركيز على حمص. كنا ندخل الى الجلسة ولا نسمع سوى حمص، واتصل الاميركيون عشرات المرات بالجانب الروسي للضغط في مسألة حمص. يبدو أنهم لم يتعرفوا بعد إلى معدن القيادة السورية والحكومة السورية. قلنا منذ البداية إن هذا الموضوع لا يتعلق بجنيف، والقيادة تعالجه في سوريا، وفعلاً عندما نضجت الظروف تم حل الموضوع وليس نتيجة الضغوط التي مورست. حققنا في حمص إنجازاً إنسانياً بعيداً عن كل المزايدات، وهناك المئات من المدنيين ممن كان المسلحون يستخدمونهم دروعاً بشرية خرجوا من حمص، وهذا يثبت أننا على حق وأن نهجنا في تخليص سوريا من الارهاب وفي التعامل مع الارهاب والإرهابيين هو الصحيح.

■ هل كانت الرسالة من تجربة حمص الى العالم أن الملف الانساني من اختصاص الادارة السورية وأن جنيف للتفاوض حول مكافحة الارهاب؟
إذا كانت الاطراف التي ضغطت في هذا الاتجاه بحاجة الى رسالة فقد وصلتها، لكننا أكدنا أن هذا موضوع داخلي يناقش داخل سوريا، لأن هذه المسألة وغيرها جرت محاولات لإثارتها تعقّد المناقشات ولا توصل السوريين الى أي شيء. هذا يعكس حرص الحكومة السورية على إنجاح جنيف بينما الطرف الآخر، وخاصة الائتلاف كأدوات ومن يدعم هذا الائتلاف من الخلف، هو المشكلة الحقيقية في سوريا وهو الذي يعيق التوصل الى أي حل للمشاكل الانسانية وغيرها.