بغداد | صبيحة كل يوم، وفي موقع غرق العبّارة في مدينة الموصل شمال العراق، يتجمّع العشرات من ذوي الضحايا والمفقودين، على أمل أن يجود نهر دجلة بجثة على إحدى ضفافه. منذ الـ21 من آذار/ مارس الماضي، هذا المشهد السوريالي، ومعه مأساة الأهالي، مستمران. 90 جثة ــــ حتى الآن ـــ لا تزال مجهولة المصير، في وقت تواصل فيه فرق إنقاذ من جنسيات متعددة عمليات البحث، بالتزامن مع وصول عدد محدود من الزوارق والمتطوعين. وعلى رغم مضيّ أكثر من أسبوع على حادثة الغرق، إلا أن الفرق المعنية تمكّنت من انتشال وإنقاذ نحو 100 بين حيّ وميت فقط، في حين أن ثمة 90 بلاغاً لدى السلطات المختصة عن مفقودين جرّاء ما حصل. تأخُّر يُجلّي، إلى جانب معطيات أخرى، ضعف الإمكانات العراقية على هذا الصعيد. فلا الحكومة المحلية في نينوى، ولا الحكومة الاتحادية في بغداد، تمتلك زوارق إنقاذ متطوّرة، ولا فرق غوص محترفة، على الرغم من أن العراق بلدٌ نهري، يخترقه دجلة والفرات، فضلاً عن «شط العرب» جنوبي البلاد. هذا الضعف دفع المسؤولين المحليين إلى الاستعانة بفرقة غوص تركية وأخرى كردية، خصوصاً أن تعكّر المياه وسرعة جريانها وارتفاع منسوباتها زادت من صعوبة المهمة.قبل أيام، وصلت من «إقليم كردستان» وتركيا فرق غوص و8 زوارق أميركية (عبر ميناء البصرة) للمشاركة في عمليات انتشال الجثث، في وقت أعلنت فيه «هيئة الحشد الشعبي» إرسال قوة بحرية خاصة إلى الموصل للمساهمة في العمليات الجارية. وفي هذا السياق، قال عمدة مدينة الموصل، زهير الأعرجي، إن «المدينة تلقت مساعدات من منظمة البارزاني الخيرية على شكل أربعة زوارق، إضافة إلى زورقين من أحد المتمولين، فضلاً عن فرق الحشد، وسرايا السلام، وقوات التحالف الدولي»، لافتاً إلى أن «منطقة الحادث قُسّمت من موقع غرق العبارة إلى مدينة القيارة، حيث انتُشلت حتى الآن 98 جثة». وأضاف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عدد المفقودين بلغ أكثر من 90، وقد تلقينا إخباراً من المواطنين بشأنهم»، مشيراً إلى أن «المدينة ما زالت في حالة استنفار كامل، وهناك مساعدات مالية للضحايا وصلت من بعض المحافظات الأخرى».
لا الحكومة المحلية في نينوى ولا الحكومة الاتحادية تمتلك زوارق إنقاذ متطوّرة


وعلى صعيد التحقيقات الرسمية، لم تُنه الجهات المعنية إجراءاتها، في وقت يحتدم فيه الصراع السياسي الذي تشهده الموصل، خصوصاً بعدما تحوّلت حادثة العبّارة إلى مادة استثمار، وفق عضو «خلية الأزمة» (التي شكلها رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، عقب الحادثة)، قائد «عمليات نينوى» نجم الجبوري، الذي قال إن «هناك من يريد أن يرقص على جراحنا، ويستثمر هذه الكارثة من أجل مآرب دنيئة دنيوية خبيثة». ولئن صُدّرت إقالة محافظ نينوى، نوفل العاكوب (عُيّن مزاحم الخيّاط حاكماً مدنياً يتولى إدارة المحافظة حتى يُبتّ في مصير العاكوب نهائياً) على أنها «أولى خطوات محاسبة الفاسدين والمقصرين» شمالي البلاد، إلا أن القرار القضائي الأخير الداعي إلى «إلقاء القبض عليه»، إضافة إلى مسؤولين آخرين بتهمة «التقصير والإهمال»، يشي بأن الرجل سيكون «كبش فداء» في المعمعة القائمة.
إذ إن العاكوب، المدعوم من «كتلة النهضة» (الحزب الإسلامي العراقي/ الإخوان المسلمون في العراق)، والمقيم حالياً في مدينة أربيل التي فرّ إليها عقب الحادثة، يُرجح أن يُعاد إلى العاصمة بغداد، بموجب «اتفاقات سياسية بين أربيل وبغداد، تفرض حضورها في هذا الملف، الذي لا يقتصر على المسائل القضائية»، وفق مصدر مقرب من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» (بزعامة مسعود البرزاني). ورجّح المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن البارزاني سيجعل العاكوب «كبش فداء... سيقدّمه إلى بغداد على طبق من ذهب، في حال مطالبة السلطات العراقية به»، ذلك أن زعيم الحزب الحاكم «لا يريد التضحية بعلاقته مع بغداد، أو تعكيرها من أجل أحد، خاصة مع التحسّن الملحوظ الذي شهدته العلاقة بقدوم عبد المهدي». ويضيف المصدر أن «الحديث المتداول داخل دوائر الديموقراطي حول بقاء نوفل العاكوب في أربيل سيؤدي إلى مشاكل كبيرة في العلاقة بين الطرفين»، مشدداً على أنه «لا تمكن المجازفة في مثل هذا الملف، خاصة بعد تخلي الأطراف السياسية الداعمة عنه، تحت وطأة الغضب الشعبي».