تخلى الجيش الجزائري عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أو «محيطه المقرّب» الذي تعتقد أطراف عدة أنه يسيطر على صلاحياته بزعامة شقيقه ومستشاره الشخصي سعيد بوتفليقة، بالدعوة، أمس، إلى إعلان منصب الرئيس شاغراً، وتجديد رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، تأكيده أن مطالب الشعب في الاحتجاجات المستمرة منذ شهر «مشروعة».الجيش، المؤسسة الأقوى في البلاد، بمطالبته بتفعيل المادة 102 من الدستور التي تنص على شغور منصب الرئيس بعد إثبات المانع الصحي عليه، أبعد احتمال أزمة دستورية كانت متوقعة في 28 نيسان/ أبريل المقبل، الموعد المحدد لنهاية ولاية الرئيس، في ظلّ تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة قبل عشرة أيام من ذلك الموعد (18 نيسان/ أبريل) إلى أجل غير مسمى، وفق «خريطة الطريق» التي طرحها الرئيس في رسالته الثانية قبل أسبوعين، والتي ربطت موعد الانتخابات بـ«الندوة الوطنية الجامعة» المسؤولة عن إدارة المرحلة الانتقالية، رغم أن لا أحكام ملزمة بتنظيمها، أو موعداً محدداً لعقدها.
وبعدما أثنى قائد أركان الجيش على المسيرات السلمية، وحذّر من استغلالها من قِبَل أطراف داخلية وخارجية، وسط تصفيق الضباط الحاضرين أثناء كلمته خلال زيارة للمنطقة العسكرية الرابعة أمس، رأى أن تطبيق المادة 102 يمثل حلاً «توافقياً» يحفظ سيادة الدولة ويستجيب لمطالب الشعب، في اعتراف واضح بوجود أزمة سياسية وجب حلها وفق الأطر الدستورية. لكن «الحل التوافقي» هذا لم يَلْق ترحيباً من بعض أحزاب المعارضة، رغم أن منها مَن سبق ودعا يوم إعلان بوتفليقة الترشح إلى تفعيل بند شغور منصب الرئيس بموجب المادة المذكورة، تماماً كما سبق أن دعت قوى من المعارضة إلى تأجيل الانتخابات، لتعود وتطالب بإجرائها في موعدها بعد تأجيلها من قِبَل السلطة.
وبعدما رفض المتظاهرون الأسبوع الماضي تلميح رئيس الأركان إلى تدخل الجيش في العملية السياسية، في موقف شكل تحولاً عبّر عنه قايد صالح بالقول إن «على الجيش تحمّل المسؤولية لإيجاد حل سريع للأزمة»، أعلن المحامي مصطفى بوشاشي، وهو أحد منظمي الاحتجاجات، أمس، معارضة مساعي الجيش لإعلان عدم أهلية بوتفليقة للحكم، قائلاً إن «الشعب الجزائري لا يقبل أن تدير الحكومة أو رمز لسلطة هذا النظام الفترة الانتقالية»، بحسب ما نقل عنه موقع «هاف بوست مغرب» الإلكتروني. وأضاف أن «الشعب يريد حكومة توافق وطني»، وهو ما شددت عليه «حركة مجتمع السلم»، أيضاً، في بيان أمس. إذ أكدت «ضرورة اكتفاء المؤسسة العسكرية بمرافقة الوصول إلى الحل السياسي والتوافق الوطني والمحافظة على مدنية الدولة»، معتبرةً أن «الاكتفاء بتطبيق المادة 102 من الدستور لا يتيح تحقيق الإصلاحات بعد الشروع في تطبيقها، ولا يسمح بتحقيق الانتقال الديموقراطي والانتخابات الحرة والنزيهة».
«الحل التوافقي» الذي قدمه الجيش لم يَلْق ترحيب بعض أحزاب المعارضة


وبينما عقد المجلس الدستوري اجتماعاً خاصاً أمس، بحسب ما ذكرت قناة «البلاد» التلفزيونية المحلية، عقب إعلان قايد صالح الذي يُعدّ دعوة للاجتماع للنظر في شغور منصب الرئيس، أو انتظار إعلان بوتفليقة استقالته قبل انتهاء ولايته لمباشرة إجراءات استخلافه، طالبت الحركة، قبل إثبات المجلس الدستوري حالة الشغور، بـ«تعيين رئيس حكومة توافقي وطاقمه، بالتوافق مع الطبقة السياسية، يرضى عليه الحراك الشعبي» أولاً، و«تأسيس اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات» ثانياً.
لكن قبل ذلك كله، أثارت كيفية إثبات المجلس الدستوري حالة الشغور جدلاً قانونياً أمس. إذ إن ذلك يجري وفق القانون في حالة استقالة الرئيس أو وفاته أو عجزه، وهي حالات ثلاث لم تحدث أي منها (حتى كتابة التقرير). وتُطبّق المادة 102 «إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهماته بسبب مرض خطير ومزمن». حينها، «يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع». لكن إثبات المانع، بحسب القانونيين، يكون على صاحب المصلحة والمعني بالأمر، وهو رئيس الجمهورية، أو جهة أخرى مخولة قانونياً بإخطار المجلس الدستوري بحالة المانع، كرئيسي غرفتَي البرلمان أو أطباء الرئيس. وليس معلوماً ما إذا كان المجلس الدستوري يملك آليات تطبيق المادة 102 إذا اجتمع بإخطار من غيره (كالجيش) أو بإخطار ذاتي. أما عندما يُخطَر المجلس الدستوري وفق القانون، تصبح الإجراءات واضحة. يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معاً (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويكلف رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها 45 يوماً. وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوماً، يُعلَن الشغور بالاستقالة وجوباً.
لكن ترجيحات المراقبين تذهب إلى أن الرئيس سيستقيل إرادياً، وهم يستبعدون أن يكون قايد صالح قد دعا إلى إقرار حالة الشغور قبل أن يحصل على موافقة من بوتفليقة. ويرى كثيرون أن بوتفليقة الذي اعترف في رسالته لـ«الأمة» بأن «عمره وصحته» لا يسمحان له بالترشح لولاية خامسة، وأنه لم يكن يفكر أصلاً في الترشح، يبدو قادراً على مواصلة النهج نفسه في الاعتراف بأن صحته عليلة، ولم تعد تسمح له بقيادة البلاد في هذا الظرف، ما سيجعله يغادر منصبه «من الباب الكبير» على حد تعبير خبراء ومتابعين، لحفظ ماء وجهه. وفي هذه الحالة (استقالة الرئيس أو وفاته)، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، ويُثبِت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية. وتُبلغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان، الذي يجتمع وجوباً، ثم يتولّى رئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح)، مهمات رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً، تُنظّم خلالها انتخابات رئاسية.