من يسمع مواقف المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ويشاهد التغطية الإعلامية العبرية لعملية اغتيال بطل عملية سلفيت، المقاوم عمر أبو ليلى، يظنّ لوهلة أن إسرائيل خاضت معركة مع كتيبة عسكرية وانتصرت فيها قواتها الخاصة. كذلك، تكشف المضامين، التي انطوت عليها التهاني المتبادلة بين المسؤولين والجنود والجيش والمستوى السياسي، حجم القلق الذي يسكن في وعيهم من مفاعيل هذه العملية؛ إذ لم تخفِ تل أبيب خشيتها من أن يتحول أبو ليلى إلى أيقونة للشباب الفلسطينيين، وهو معطى يختصر التحولات التي استجدّت على معادلات الصراع، وينطوي على مؤشر ضعف أصاب هذا الكيان في نظرته إلى نفسه ونظرته إلى الآخر، فضلاً عن نظرة الآخر إليه.أيضاً، في مرحلة ما قبل استشهاد المقاوم أبو ليلى، وبعد تنفيذ العملية البطولية، بدت إسرائيل كأنها في حالة استنفار سياسي وأمني وإعلامي، ضمن عملية مطاردة لِمَن مسّ هيبتها وأذلّ جنودها ومستوطنيها. على هذه الخلفية، كان القرار بضرورة ملاحقته والوصول إليه بأي ثمن، ليس فقط انتقاماً لمقتل الحاخام والجندي، وإنما أيضاً لترميم صورة جيشها، ومن أجل عدم بقاء أبو ليلى في صدارة اهتمام وسائل الإعلام لفترة طويلة كبطل عجزت إسرائيل عن استهدافه. ولكن الواقع أنها نجحت في اغتيال «بطل سلفيت»، لكنها أخفقت في منع تحوله إلى أيقونة لكل فلسطين، ونموذج يُقتدى لدى كل شاب فلسطيني.
هدفت إسرائيل، باستنفار أجهزتها واستدعاء قواتها الخاصة بحثاً عن أبو ليلى، إلى محاولة إثبات أن «يد إسرائيل طويلة»، كما عبّر نتنياهو، وقادرة على الوصول إلى كل من يستهدفها، وذلك على أمل أن تساهم المراكمة في هذا المسار في إنتاج حالة من الردع تحول دون مواصلة هذا النمط من العمليات. وانطلاقاً من تقدير مفاده أنه في حال شعور أي منفذ للعمليات، التي تستهدف المستوطنين وجنود الاحتلال، بأن بالإمكان حماية نفسه، سيؤدي ذلك إلى تزايد أعدادهم، وستكون إسرائيل أمام مسار تصاعدي سيكون من الصعب كبحه أو احتواؤه.
مع ذلك، ضيق الخيارات أمام تل أبيب في مواجهة هذا النوع من العمليات فرض عليها أداءً محدداً. ومن أهم معالم هذا الأداء، الذي خضع للكثير من التجاذبات الداخلية داخل المؤسسة السياسية والأمنية، تجنب العقاب الجماعي الذي تحذّر من مفاعيله المؤسسة العسكرية، كونه لن يؤدي إلى الردع، بل إلى اتساع النقمة الشعبية وتحفيز الشباب الفلسطينيين لتنفيذ المزيد من العمليات المشابهة. وفي خلفية القرارات والمواقف التي صدرت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، تكمن أيضاً خشية كبيرة من اتساع نطاق هذا النمط من العمليات، من زاوية أن المنفذ يؤدي فيها أيضاً دور صانع القرار والمخطط والمستطلع، وهو ما يسلب الاستخبارات الكثير من الفرص لعملية إحباط استباقي، قد تتوفر في حال تعدد الأفراد والتنسيق بينهم.
مع ذلك، تدرك إسرائيل أن «بطل سلفيت» ومن سبقه ومن سيلتحق به ثبّتوا وسيثبّتون محطة استنهاض إضافي، لن يكون بالإمكان الحؤول دون مواصلة مساره التصاعدي، وصولاً إلى تحوّله إلى مقاومة شعبية ستدخل معها إسرائيل والمنطقة مرحلة جديدة تؤسس لمستقبل فلسطين.