غزة | أخيراً، خرجت حركة «حماس» عن صمتها إزاء الأحداث التي شهدها قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية، والتي أثارت تساؤلات كثيرة في شأن خلفياتها وسبب تدحرجها إلى حملة أمنية واسعة النطاق، في ظلّ غياب رواية حكومية واضحة للجدل المثار حول الضرائب المفروضة أخيراً. أسفت الحركة لأي ضرر قد تكون سبّبته تلك الحملة، متوجهة بإصبع الاتهام مباشرة إلى حركة «فتح» بالمسؤولية عن التحريض، بعدما بلغ رام الله أن «ثمة أجواء اتفاق» مع العدو. هذا البيان، إضافة إلى تعهد مصادر الحركة بمحاسبة العناصر الأمنية المعتدية والتجار المخالفين، سيكون من شأنه تنفيس الاحتقان «الفصائلي»، في انتظار ما ستشهده الساعات المقبلة.حسمت حركة «حماس» الموقف الغزّي الأخير الذي امتد لنحو أسبوع. أصدرت الحركة بياناً وصفت فيه ما جرى بـ«الأحداث المؤسفة»، التي «كانت تستهدف إفشال مليونية الأرض والعودة في الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة في 30 مارس (آذار) الجاري»، قائلة إنها تعرب عن أسفها لـ«أي ضرر مادي أو معنوي أصاب أحد أبناء شعبنا... ندعو الأجهزة الأمنية لإعادة الحقوق المعنوية والمادية لأي طرف وقع ظلم عليه». البيان، الذي صدر في وقت متأخر من مساء أمس، جاء رداً على «الكذب والتشهير الذي مارسته آلة قيادة فتح الإعلامية، وتلفزيون السلطة، والذي كشفته صور التزوير التي استُدعيت من أحداث سابقة ومن دول مختلفة وإسقاطها على غزة». كذلك، أوضحت «حماس»، التي جاء موقفها هذا بعد مناشدات «فصائلية» لها بوقف قمع المسيرات، أنها تقدّر «الأزمة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في غزة، ونحن جزء منها، نعاني ما يعانيه شعبنا، ونعلم حجم المعاناة والألم... ولن يهدأ لنا بال حتى نجبر الاحتلال وحلفاءه على كسر الحصار».
وتقول مصادر «حمساوية» إن المكتب السياسي للحركة في غزة اجتمع أمس للبحث في ما جرى من «تحركات وتهويل إعلامي، وقد استُدعي وكلاء الوزارات وسُئلوا (خلال الاجتماع) عن فرض ضرائب جديدة، وهو ما نفاه الجميع». وأوضح الوكلاء أنه رغم ارتفاع الأسعار، فإنه «لم تفرض أي ضرائب جديدة، وسبب الارتفاع بعض التجار»، مشيرين مثلاً إلى أن ارتفاع أسعار الخضروات سببه تصدير المزروعات إلى الأردن والسعودية وإسرائيل. أما ارتفاع الدخان، فسببه «توقف أربعة تجار كبار مسؤولين عن استيراد الدخان، عن توزيع بضاعتهم منذ 40 يوماً، ثم رفع هؤلاء الأسعار، لكن الحركة اجتمعت معهم وطلبت منهم إدخال السجائر، وفرضت عليهم تحديد السعر، لمنعهم من الابتزاز».
نفت «حماس» فرض ضرائب جديدة، ووعدت بـ«إعادة الحقوق إلى من ظُلم»


في الوقت نفسه، لا تنكر تلك المصادر أن ما زاد الأزمة، قطع رواتب خمسة آلاف موظف من رام الله أخيراً، ما أثّر بوضوح في سيولة الأسواق. ولأن الحكومة، التي تديرها الحركة، لم تضع المواطنين في واقع هذه المعلومات «نتيجة خلل إداري وتقصير في الترويج»، تفاقمت الأزمة، ووصلت إلى خروج الناس إلى الشارع. وتشرح تلك المصادر أنه في الخميس الماضي، «كدنا نصل إلى اتفاق مع العدو (الإسرائيلي)، وبلغ رام الله أن هناك أجواء اتفاق... وحينما بدأ الحراك استغلته السلطة سريعاً، ما دفعنا إلى التعاطي معه على أنه نشاط تخريبي، خاصة أن بعض الأصوات دعت إلى تدخل عربي لحماية المتظاهرين، كذلك رصدت الأجهزة الأمنية تخابراً بين موظفين في غزة وضباط في المخابرات العامة الفلسطينية، وأيضاً نشرت منصات فتح الإعلامية صوراً مفبركة لمظاهرات في سوريا والعراق على أنها في غزة».
من جهتها، كشفت مصادر «حمساوية» أخرى، في حديث إلى «الأخبار»، أن الحركة كانت تنوي إجراء تغييرات كبرى في القطاع الحكومي والبلديات، لكن ذلك جاء بالتزامن مع دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر تحت شعار «بدنا نعيش». وأوضحت المصادر أن «الخطوات الإصلاحية الكبيرة تتضمن إجراء تغييرات وتنقلات في مفاصل الوزارات، وتعيين رؤساء ومجالس بلدية جديدة بعد ظهور إشكالات وسوء استخدام للنفوذ لدى بعضهم، على نحو أدى إلى انخفاض شعبية الحركة». لكن بمجرد بدء التظاهرات، رأت «حماس» أن لها أبعاداً سياسية تهدف إلى المسّ بها، خاصة مع مشاركة العشرات من عناصر «فتح»، وتحريض صفحات تشغّلها «مخابرات رام الله».
مع ذلك، تلفت المصادر إلى أن مطلقي حملة «بدنا نعيش» لا ينتمون إلى أي من الفصائل، إلا أنه «مع دخول فتح على الخط، جرى تغليب التفكير الأمني في التعامل مع الحراك، والمبادرة إلى اعتقال 12 شاباً تصدروا المشهد». وتضيف أن «مسيرات الجمعة الماضية شملت عدة مناطق أبرزها مخيم جباليا ودير البلح، حيث تجمع المئات من الشبان رفضاً للغلاء والضرائب، لكن مشاركة عناصر فتحاويين وإثارتهم الفوضى وحرقهم الإطارات ورشق الشرطة بالحجارة مثّل فرصة لتوجيه ضربة تردع العائلات المحسوبة على فتح، التي يعمل غالبية أبنائها في الأجهزة الأمنية السابقة».
وتبعت ذلك حملة اعتقالات واسعة للمئات، تقول المصادر «الحمساوية» إنه يجري التحقيق في ما قد يكون تخلّلها من اعتداءات بالضرب، واقتحام للمنازل في عدد من المناطق، وكذلك اعتقال صحافيين وحقوقيين وضربهم، إضافة إلى منع وسائل الإعلام من تغطية الأحداث، وإنه ستُجرى محاسبة داخلية على ذلك. اللافت، وفق المصادر نفسها، أن «فتحاويين» في غزة رفضوا زجّ حركتهم في الحراك عبر التحريض الذي تمارسه وسائل الإعلام التابعة لرام الله، لأنهم يرون أن «اللجنة المركزية تعتبرهم كبش فداء، وتضعهم في مواجهة غير متكافئة أمام الأجهزة الأمنية لحماس، ما دفع عدداً منهم إلى رفض المشاركة في الحراك».
من جهتها، دعت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» إلى «اجتماع فصائلي باسم لجنة القوى الوطنية والإسلامية» من دون علم رئيس اللجنة، القيادي في «الجهاد الإسلامي» خالد البطش، الذي لم تشارك حركته في الاجتماع، فيما حضرته «فتح» لأول مرة بعد مقاطعتها اجتماعات اللجنة منذ عام ونصف عام. وبينما قاطعت «الشعبية» أمس فعاليات «مسيرات العودة» احتجاجاً على اعتقال العشرات من كوادرها، تقول المصادر إن التعليق مؤقت، وإن الجبهة ستواصل مشاركتها في الفعاليات التالية.
في خضم ذلك، يرى اقتصاديون أنه كان «الأجدى بحماس ألّا تزيد فوق الضغط الإسرائيلي والفتحاوي على الغزيين، ضغطاً آخر هو المزيد من الضرائب والرسوم»، وذلك في ظلّ «افتقارها أصلاً إلى إمكانات تقديم الخدمات للمجتمع إلا بتوفير الأمن»، كما ورد في مقالة للكاتب الفلسطيني طلال عوكل. لكن مسؤولين في «حكومة حماس» شددوا على أن الحركة لم تفرض ضرائب جديدة منذ 2017، قائلين إن ما تجبيه الحكومة هو ما بين 50 و60 مليون شيكل شهرياً (ما يعادل 13 مليون دولار)، في حين أن السلطة تجبي من غزة 300 مليون شيكل (نحو 83 مليون دولار).



«الشعبية» مع وحدة الصفّ: نثمّن الاعتذار
قالت مصادر في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، لـ«الأخبار»، إن «البيان الطويل لحماس، الذي قدمت فيه اعتذاراً، يظهر استخلاص الحركة للعبر»، مضيفة أنها علمت أن «حماس تنوي فعل بعض خطوات التسهيل، منها ما له علاقة بالتصدير والاستيراد وتخفيض الأسعار وتسهيلات في موضوع التأمين الصحي». أما على صعيد توتر العلاقة بين «الشعبية» وفصائل أخرى وبين «حماس»، فقالت المصادر إن الأخيرة «أرسلت برغبتها في فتح حوار داخلي، ثنائي أو من خلال الكل الوطني، لتدارك ما حدث وتطويقه»، مضيفة: «نحن مع الانتباه إلى مخطط السلطة لتشويش الوضع في غزة وشيطنة المقاومة، لكننا نأمل ترجمة ما وعدت به حماس بإجراءات ملموسة، إضافة إلى وقف أشكال القمع والملاحقات الأمنية». ورأت المصادر أن «بيان حماس بحد ذاته حسن نية من الحركة، ولكن الجبهة تدرك أن جوهر الأزمة سياسي، والسبب الرئيسي للأوضاع السيئة هو الاحتلال أولاً، ثم إجراءات رام الله، لكن حكومة الأمر الواقع في القطاع صدّرت الأزمة إلى الشارع». كذلك، نقلت «حماس» إلى «الجبهة» تأكيداً لنيتها «فتح تحقيق في ما جرى، وتعهداً بمحاسبة كلّ من اعتدى على المتظاهرين، مع الإفراج عن جميع المعتقلين، باستثناء من سبّبوا أذىً لأفراد أمن غزة».
(الأخبار)