على عكس بعض القضايا المماثلة التي حظيت بتغطية إعلامية مركّزة، كادت قضية المحتجزين الليبيين الثلاثة تدخل طيّ النسيان، لولا جهود عائلاتهم وأبناء مدينتهم وحكومة «الوفاق الوطني». أُفرج عن المحتجزين، أمس، لدوافع متنوعة؛ إذ تخشى الرياض تحول وضعهم إلى قضية رأي عام جديدة، وخصوصاً في حال تعرّض أحدهم لأذى، إذ إنه سبق لقوات المشير خليفة حفتر، التي تتكون في جزء كبير منها من ميليشيات قبائل وأحياء، تنفيذ إعدامات خارج إطار القانون. كذلك، يسعى الأخير بنفسه إلى تلطيف الأجواء مع مكونات غرب البلاد واستمالتها، في إطار محاولاته مدّ نفوذه هناك عبر صفقات وتفاهمات.لكن الوصول إلى حل للملف لا ينفي عنه طابعه غير القانوني، ولا الخروقات التي شملها. من ناحية، تم الإيقاف بطلب سلطات لا تحظى بشرعية أو اعتراف دولي، وينطبق الأمر نفسه على عملية التسليم. ومن ناحية ثانية، تم احتجاز الرجال الثلاثة في شرق ليبيا لما يقارب عاماً ونصف عام من دون محاكمة، وفي مكان مجهول، ومن دون إعلام ذويهم أو السماح لهم بطلب دعم قانوني. علاوة على ذلك، قال حسن زعيط، وهو أحد المسجونين المفرج عنهم، أمس، إنهم سُجنوا في مكان يتبع لـ«ميليشيا طارق بن زياد»، وعوملوا بشكل سيئ لأشهر. يعني كل هذا وقوع سلسلة خروقات، بُنيت على جريمة أصلية ارتكبتها الرياض، خدمة لحليفها الذي يخوض حرباً أهلية وتحاصره تهم وقضايا بارتكاب جرائم حرب.
أكد أحد المحتجزين أن الإمارات ضغطت على الرياض لإيقافه هو ورفاقه


فصول القصة بدأت في 31 أيار/ مايو 2017، حين حاولت السلطات السعودية، في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، اعتقال أربعة ليبيين كانوا بصدد العودة إلى بلادهم عقب انتهائهم من مناسك العمرة، لكنها لم تنجح في وضع يدها إلا على ثلاثة منهم، هم: محمد الخضراوي، محمود بن رجب وحسن زعيط، فيما نجح رابعهم، حسين زعيط، في الهرب من المكان، والاختباء داخل مقر قنصلية بلاده، إلى حين نجاحه في الخروج بعد أشهر بوساطة تركية (راجع الأخبار، العدد 3643).
لكن حكومة «الوفاق الوطني»، المتمركزة في طرابلس، لم تقف مكتوفة الأيدي. وتشير وثائق مسربة إلى أنها وجّهت قنصلها لزيارة المحتجزين، وقد رفع الأخير تقريراً يقول فيه إن «إخلاء سبيلهم مرهون بقرار السلطات العليا في الرياض». لم تقف جهود الحكومة المعترف بها دولياً عند ذلك، إذ واصلت مراسلاتها التي أجابت عليها السعودية بأن المحتجزين أوقفوا لـ«ورود معلومات تفيد بالاشتباه (فيهم)»، وأنهم «أُعيدوا من حيث أتوا» بتاريخ 5 آب/ أغسطس 2017. لكن المحتجزين لم يعودوا «من حيث أتوا»، وهم كانوا قد جاؤوا من مطار معيتيقة الدولي في طرابلس، ولم يكن من سبب يدعو الى احتجازهم هناك. لذلك، اتجهت الأنظار نحو سلطات شرق البلاد، ممثلة في الحكومة المؤقتة التي لا تحظى باعتراف دولي، باعتبارها الجهة التي تسلّمتهم، وأغلب الظن أنها هي التي طلبت إيقافهم نظراً الى انخراط المحتجزين في «غرفة عمليات ثوار ليبيا» المناوئة لها، كما أشار حسين زعيط في تصريح إعلامي، متحدثاً عن امتلاكه معلومات حول ممارسة الإمارات ضغطاً على الرياض لإيقافه هو ورفاقه.
مع ذلك، ظلّ الصمت محيطاً بالملف، فلم يصدر أي بيان من حكومة شرق البلاد يؤكد المعلومة أو ينفيها، والأرجح أن ذلك تم بالتفاهم مع الرياض، التي تعلم عدم قانونية تسليم حكومة حفتر، لغياب الصفة القانونية. ولولا حرص عائلات المحتجزين على الاحتجاج والتظاهر، وهو ما تشدّد عقب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وتصاعد جهود الفاعلين في مدينة الزاوية، الذين لجأوا إلى طرق تقليدية عبر إرسال ما لا يقلّ عن ثلاثة وفود قبلية إلى شرق البلاد لطلب إطلاق سراحهم، لكادت القضية تدخل في طيّ النسيان.