بينما بدا قرار الإدارة الأميركية إبقاء «قوات حفظ سلام» حلّاً وسطاً يخفّف الضغط عن الشركاء الأوروبيين وعن «قوات سوريا الديموقراطية»، فإن ملف مقاتلي «داعش» غير السوريين لا يزال عقدة كبرى بالنسبة إلى شركاء واشنطن. هذا الملف الذي شغل الدول الأوروبية لسنوات، بات «مستعجلاً» بعد التوجه الأميركي الأخير الذي دفع إليه البيت الأبيض، رغم مقاومة تيار واسع في وزارتَي الدفاع والخارجية، وسخّنه خروج مئات (أو آلاف) المقاتلين الأجانب من جيب هجين (حالياً الباغوز) إلى مناطق سيطرة «قسد» تحت أعين وسائل الإعلام. العدد الدقيق لهؤلاء الخارجين غير متوافر، ولكن مصادر في «قسد» تؤكد أنه «حتى نهاية عام 2018، وصل نحو 800 مقاتل و1500 طفل و700 امرأة، تتوزع جنسياتهم على 49 دولة». وجرى توزيع هؤلاء بعد تفتيشهم والتحقيق الأولي معهم على معتقلات ومخيمات في الهول وعين عيسى والمالكية، فيما يُتوقع أن تكون الأرقام المذكورة تضاعفت إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، وما زالت في ازدياد.وفيما تنحو الغالبية العظمى من الدول نحو ترك مواطنيها «الدواعش» في مناطق اعتقالهم الحالية، على رغم الضغط الأميركي المعاكس (الولايات المتحدة رفضت استعادة أيٍّ من حَمَلة الجنسية الأميركية)، فإن هؤلاء المقاتلين يعدّون «كنزاً أمنياً» لأجهزة الاستخبارات المحلية والدولية يصعب التفريط به. وإلى جانب التعقيدات القانونية المتباينة لدى كلّ دولة من «دول الأصل»، فإن التعامل مع السلطات في مناطق شرقيّ الفرات مُمثلة بـ«الإدارة الذاتية» هو عقدة أخرى لم يتجاوزها بنحو معلن حتى اليوم سوى المغرب، بدفع أميركي.
رفضت الدول الأوروبية حتى التكفّل بمصاريف ملف مواطنيها «الدواعش»


ولا تخفي أوساط «الإدارة الذاتية» قلقها من «التسويف» في هذا الملف؛ إذ يوضح «مسؤول العلاقات العامّة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، عبد الكريم العمر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ملف مقاتلي داعش الأجانب هو مسؤولية كبيرة لا نملك وحدنا أي قدرة على تحملها»، متهماً المجتمع الدولي والشركاء في «التحالف الدولي» بالتهرب من مسؤولياتهم تجاه هؤلاء. ويحذر العمر تلك الدول «من الخطر الذي يشكّله هؤلاء على أمن المجتمعات الغربية»، معتبراً أن «الحل هو عقد اجتماع دولي لإيجاد مخارج نافعة لهذه القضية التي تُعَدّ قضية عالمية، كما كان ظهور التنظيم قضية عالمية».
ويكشف العمر أنه قام بزيارة للعاصمة البلجيكية بروكسل، لمناشدة أعضاء الاتحاد الأوروبي تسلّم المقاتلين الحاملين جنسيات أوروبية، من دون أن يلقى آذاناً صاغية. ويؤكد أن «الدول الأوروبية رفضت حتى التكفل بالنفقات التي تُصرَف على هذا الملف». ويتساوق حديث العمر مع رؤية المتحدّث باسم «قسد»، كينو كبرائيل، الذي يعتقد أن «هذه المعضلة تحتاج أحد حلّين: الأول إعادتهم إلى دولهم لمحاكمتهم هناك، أو تشكيل محكمة دولية في المنطقة لضمان محاكمة عادلة لهم».
ولا يبدو ملف المقاتلين المحليين في صفوف التنظيم أقلّ أهمية من ملف الأجانب «المهاجرين»، خاصة أن الأرقام تتحدث عن نحو خمسة آلاف مقاتل سوري في قبضة «قسد». وطاولت اتهامات عديدة سلطات «الإدارة الذاتية» بالتساهل في إطلاق سراح العديد منهم، في مقابل الحصول على معلومات، أو بوساطات عشائرية. غير أن عبد الكريم العمر ينفي صواب ذلك، مُذكّراً بأن «قوات سوريا الديموقراطية خسرت أكثر من 8 آلاف مقاتل، فضلاً عن آلاف الإصابات، وهي تحترم تلك الدماء، ولا يمكنها التساهل مع مَن كان سبباً في ذلك». ويلفت العمر إلى أن «المقاتلين المحليين خضعوا لمحاكمات، وهم يقضون فترة محاكماتهم في المعتقلات»، مبدياً في الوقت نفسه «تخوفاً من أن أي فراغ أو هجوم تركي أو من أي طرف آخر» على مناطقهم، لأن ذلك «سيشكل فرصة لهؤلاء للفرار». ويعرب عن اعتقاده بأن «الخطوة الأهم حالياً إعادة تأهيل أطفال مقاتلي التنظيم الذين يعَدّون قنابل موقوتة، لكون ذلك سيضمن عدم تشكيلهم أي تهديد على الأمن الدولي. وهذه مسؤولية المجتمع الدولي».