انشغالنا الأساسي هو إسقاط النظام بمعزلٍ عمّا سيليه قرارات البشير الأخيرة فشلت في محاصرة الثورة
الاحتجاجات لم تنحسر وتكسب أرضيات دعم جديدة


استطاع «تجمع المهنيين السودانيين» المعارض، الذي يقود الاحتجاجات ضد الرئيس عمر البشير، نيل ثقة شريحة واسعة من الشباب السوداني خلال فترة وجيزة، ثم تمكّن من توحيد قوى المعارضة الموقعة على «ميثاق الحرية والتغيير»، رغم خلافاتها السياسية، ما دفع الحكومة إلى التصويب عليه، واتهامه بإثارة الفوضى والتخريب، توازياً مع محاولاتها استمالة الشباب وتحييدهم عما قالت إنه «تآمر» من الخارج «لتركيع السودان». وسط الغموض الذي يكتنف «التجمع»، حملت «الأخبار» علامات استفهام كثيرة تدور حوله إلى المتحدث باسمه، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، صلاح شعيب، وخرجت بالحوار الآتي.

متى بدأت فكرة «تجمع المهنيين السودانيين»؟
تجمع المهنيين هو منصة نقابية بُنيت على إرثنا النقابي في شقَّيه النضالي والمطلبي، وهو لا ينقطع عن هذا الإرث بل هو امتداد له. تأسّس بشكله الحالي عام 2016، بكتابة أول ميثاق للمهنيين بين ثلاثة مكوّنات، وهي لجنة أطباء السودان المركزية، وشبكة الصحافيين السودانيين، وتحالف المحامين الديموقراطيين. وقد كانت هنالك محاولات تاريخية عديدة لتكوين بعض الأجسام للمهنيين، تدافع عنهم، وتعمل على تحسين أوضاعهم، أبرزها تجربة تكوين جسم تحالفي للمهنيين في 2012 ثم 2014. يضمّ التجمع حالياً ثمانية أجسام، بينها ميثاق وأهداف مشتركة، تم إعلانها في منتصف عام 2018، مع وجود عدد كبير من الأجسام المهنية التي أعلنت دعمها للتجمع، في انتظار الانضمام الرسمي.

ما هي المكونات المنضوية تحت مظلة «التجمع» حالياً؟
لجنة المعلمين، لجنة أطباء السودان المركزية، التحالف الديموقراطي للمحامين، شبكة الصحافيين السودانيين، رابطة الأطباء البياطرة الديموقراطيين، تجمع أساتذة الجامعات، نقابة أطباء السودان الشرعية، لجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين، لجنة الصيادلة المركزية، تجمع المهندسين السودانيين، تجمع التشكيليين السودانيين، جمعية اختصاصيي الإنتاج الحيواني، تجمع ضباط الصحة.
التعاون مع الإسلاميين خيار يحدّده «التجمع» بما يخدم هدف إسقاط النظام


في أول ظهور لـ«التجمع»، كانت المطالب مقصورة على تحسين الأجور، لكن سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية بعد اندلاع الاحتجاجات في ولايتَي نهر النيل والبحر الأحمر... هل كان لكم دور في هذا التحول؟
كما تعلم، إن أمر الأجور وتحسينها متصل بالسياسات الاقتصادية، وذلك في بيئة غارقة في الفساد الحكومي وغياب الخطط الواضحة للاهتمام بالشرائح الضعيفة. ولذلك، لا يمكن أن تكون هناك استجابة قصوى للمطالب النقابية ما لم تكن هناك إمكانية للإصلاح الاقتصادي الشامل، وهذا لن يتم ما لم يكن هناك تغيير في بنية الحكم. من ناحية أخرى، لو رجعت لبياناتنا الأولى حتى الآن، ترى أننا ظلَلْنا نربط التحسن في حالة المواطن بتغيير النظام جذرياً، وما زلنا نرى أن مطالبنا لم تفرضها حالة الفشل الاقتصادي فحسب، بل تتصل باستعادة الديموقراطية وتحقيق مجتمع الحرية والعدل والمساواة.

نشاط «تجمع المهنيين» في الخارج وفي مواقع التواصل الاجتماعي يبدو أوسع... هل هناك دعم يُقدَّم له من جهات خارجية؟
التجمع ليس له فروع في الخارج مطلقاً. ونحن كمتحدثين، تفويضنا محصور في تنوير الرأي العام الإقليمي والدولي، وتنوير مواطنينا في الشتات حول عمل التجمع وخططه. والتجمع لا يتلقى مطلقاً دعماً من الخارج، ولكن مجاميع السودانيين الشرفاء هم الذين يدعمون الثورة من حرّ مالهم، ولسنا بحاجة إلى الاستعانة بجهات أجنبية لدعم الحراك.

يصف البعض شعار «تسقط بس» الذي أطلقه «التجمع» بأنه إقصائي وعدمي، ولا يؤسس لتغيير يستند إلى الديموقراطية والتداول السلمي... ما ردكم؟
أي شعار سياسي يختزل معاني فكرية وسياسية. والقول إن التجمع يحمل شعاراً عدمياً أو إقصائياً يعبّر عن خفة سياسية. فالتجمع له أدبيات ومواثيق، وبخلاف توافقه مع قوى إعلان الحرية والتغيير حول مستقبل البلاد، فإن قادته ومؤيدي حراكه خبراء في شؤون الحكم الرشيد، وهم مفكرون في كل مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة، ويدركون معنى الثورة. ما يؤسس لتغيير يستند على الديموقراطية والتداول السلمي هو إيماننا ودعمنا لكل خطوة لإنهاء الاستبداد والطغيان اللذين دمّرا بلادنا، وهذا هو الموضوع الجوهري. إذن، فَلْيرمِ كل رامٍ سياسي رميته أولاً لخلق واقع ديموقراطي أفضل، وهذه هي أولوية الحاضر السوداني.

ألا تعتقد أن قرارات البشير الأخيرة إيجابية؟
كل قرارات البشير التي أعقبت قيام الثورة فاشلة، وهدفها إعادة إنتاج النظام، ليس في هذا أدنى شك. ومع ذلك فشل في محاصرة الثورة والثائرين.

نعتمد على دعم سودانيين من مالهم الخاص ولسنا بحاجة لجهات أجنبية


سياسة النفس الطويل أرهقت الحكومة و«التجمع» معاً. فالاحتجاجات بدأت تنحسر، وأشكال المقاومة الأخرى مثل الإضراب لم تبلغ مداها وصولاً إلى العصيان المدني؟
نعم، الحكومة أُرهقت وشُلَّت فاعليتها، ما دعا البشير للعودة إلى مربع الحكومة العسكرية، وهذا تطور جاء بسبب ضغط العمل الثوري. وعلى العكس، التجمع الآن ينوّع في أشكال قيادة المقاومة، وكل يوم يحقق نجاحاً عملياً ومعنوياً. الاحتجاجات لم تنحسر، وتكسب أرضيات دعم جديدة في ظلّ تراجع فاعلية القرار الحكومي، كما أسلفت. والعصيان الجزئي برهن على إمكانية التخطيط للعصيان المدني الشامل، وعندها سيرى المراقبون صدق ما نقول، بأن هذه الثورة قامت للوصول إلى غاياتها.

يرى البعض أن «تجمع المهنيين» بدأ خطة التغيير منفرداً، وعندما فشل قَبِل بأحزاب المعارضة، ما ردكم؟
التغيير يتطلب أصلاً تضافر جهود كل مكونات الشعب السوداني، والتجمع واحد منها، والدليل على ذلك أن لدينا ميثاقاً مع قوى الحرية والعدالة لإسقاط النظام، وهذا الميثاق تزامن مع الشهر الأول لحدوث الحراك. التجمع كان له سبق الريادة في تنظيم الحراك الثوري عملياً بعد تظاهرة عطبرة، ولاحقاً تواثق مع القوى السياسية لإسقاط النظام.

ما هي رؤيتكم لشكل الدولة وطبيعة نظام الحكم مستقبلاً؟
نحن لم نصل بعد مع حلفائنا في مكون قوى الحرية والتغيير إلى تحديد دستورية الدولة أو علمانيتها. فانشغالنا الأساسي هو إسقاط النظام، أما ما يترتب على هذا السقوط من حيث سياقه الراهن والمستقبلي، فهو أمر يخصّ كل السودانيين، وبإرادتهم الجمعية يحددون نوع الحكم، وليس هناك طرف واحد من قوى الثورة يستطيع بطبيعة الحال أن يفرض شكلاً محدداً لحكم البلاد. السودانيون جميعاً سيجلسون بعد سقوط النظام لتحديد دستورية الدولة في مرحلة الانتقال والانتخاب بناءً على الأسس الديموقراطية. واحد من أهداف الثورة الأساسية هو لمّ شمل السودانيين جميعاً بعد سقوط النظام، للتقرير بشأن مستقبل البلاد، وعندئذٍ فهم أحرار وقادرون على حلحلة الأزمات المتعلقة بشكل الحكم.

هل ترفضون التنسيق والعمل مع (نائب رئيس الوزراء السابق) مبارك الفاضل المهدي، و(رئيس حركة «الإصلاح الآن») غازي صلاح الدين، والإسلاميين؟
نحن لا نملك تحديد خيارات الآخرين. في المقابل، لقادة التجمع الحق في أن ينسقوا مع هذا الشخص أو ذاك، وهم أحرار، كما كانت للآخرين الحرية في الانضمام إلى (حكومة) الإنقاذ، والخروج منها متى ما أرادوا، ولم ينازعهم أحد في ذلك. المهم، هو أن من حقوق قادة التجمع الأساسية والديموقراطية، تحديد خيارات التعاون مع هذا القائد السياسي أو ذاك، متى ما رأوا أن التنسيق مع هذا القائد يعجّل في ذهاب الطغيان.