ما هي النتائج الاستراتيجية للحرب السورية بعيون إسرائيلية؟ هل تضررت تل أبيب نتيجة للقتال الدائر في هذا البلد، أم كانت الفوائد أكثر بكثير من الأضرار؟ وما هي التهديدات، وما هي الفرص، وما هي حدودها ومستوياتها؟ وماذا عن تغيير المعادلة الميدانية، بعد أكثر من ثلاث سنوات على توقع فاشل وانتظار مضن لـ «السقوط الوشيك» للنظام؟ بل وماذا عن توقع انتصار محور إيران وسوريا وحزب الله، والموقف منه؟
هذه الاسئلة وغيرها، تناولتها صحيفة «هآرتس» في مقال تحليلي مطول أمس، كاشف للتقديرات والتوقعات المبنية على آخر المعطيات والقراءات الاستخبارية والميدانية للحرب السورية، التي تؤكد الصحيفة ان نهايتها ما زالت بعيدة، برغم تحذيرها من إمكان انتصار «المحور الإيراني» في سوريا. وهو تحذير صدر أخيراً على لسان اكثر مسؤول إسرائيلي، من بينهم وزير الحرب موشيه يعلون، الذي شدد على «ضرورة منع انتصار هذا المحور».
وعرضت «هآرتس» لفوائد الحرب السورية على المصالح الإسرائيلية، مشيرة إلى أن التداعيات السلبية لهذه الحرب اقل بكثير من جهة إسرائيل، مقارنة بوضع دول الجوار الأخرى، كالأردن ولبنان، «بل ويمكن القول إنها استفادت من هذه الحرب، إذ إنّ الجيش السوري، العدو الاساسي الذي بنى قوته من اجل مواجهة الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة، بات أضعف من ذي قبل، وهو الآن ظل لقوته الاساسية». ومن جهة أخرى، فإن ترسانة السلاح الكيميائي السوري، وهو المخزون الثاني من حيث الحجم عالمياً، يخضع في هذه المرحلة لعملية تفكيك باتت في مراحلها الأخيرة، و«مع تراجع القوة العسكرية للجيش السوري، فإن بإمكان اسرائيل أن تقلص من نفقاتها العسكرية».
الجانب الثالث في المعادلة السورية، التي وصفتها الصحيفة بـ«المعادلة الاستراتيجية الجديدة بعيون اسرائيلية»، هي التغييرات والضغوط المفعلة ازاء اعدائها، اذ إن «سوريا، كلاعب اقليمي، باتت تفتقد الاستقرار الداخلي، وفي الوقت نفسه، انزلقت الحرب الى لبنان وقوّضت الهدوء النسبي في هذا البلد، وها هي الميليشيات السنية تهاجم حزب الله علناً». مع ذلك، أكدت «هآرتس» القلق والخشية من «التجمع الجديد» لعشرات الآلاف من مقاتلي المنظمات الارهابية السنية، التابعة للجهاد العالمي (تنظيم القاعدة)، وذلك على مجمل الاراضي السورية، وبالاخص بالقرب من الحدود في الجولان».
وتناولت الصحيفة الفشل الاستخباري إزاء سوريا، مشيرة إلى أنّ الازمة السورية اظهرت محدودية التوقعات الاستخبارية لإسرائيل، برغم أن هذا البلد، ولسنوات طويلة، كان الهدف الرقم واحداً لأسرة الاستخبارت في اسرائيل، «بل إن شخصية متمرسة وخبيرة كوزير الدفاع السابق، ايهود باراك، الذي شغل ايضاً منصب رئيس الاركان ورئيس شعبة الاستخبارات، فشل قبل حوالى عامين عندما توقع سقوطاً للأسد خلال اسابيع قليلة، وها هو الاسد ما زال ممسكاً بكرسي الحكم، بينما غادر باراك منصبه قبل عام تقريباً». مع ذلك، أكدت الصحيفة تغييراً في المقاربة الإسرائيلية إزاء الساحة السورية وترقب نتائجها، و«يعود ذلك إلى قناعة بأن الحسم، لمصلحة أي من طرفي القتال، لا يخدم المصلحة الاسرائيلية، اذ ان انتصار الأسد سيُسجل نجاحاً للمحور الإقليمي بقيادة إيران وحزب الله، وهذه نتيجة لا تريدها إسرائيل، اما مقابل ذلك، فلا امل بانتصار التيارات المعتدلة نسبيا،ً حيث تحدد منظمات الجهاد العالمي وتنظيم القاعدة وفروعه، مسار الأمور» لديها.
وحول تطورات عام 2013 وانقلاب المشهد الميداني في سوريا، اشارت «هآرتس» إلى أنّ العامين الأولين من الأزمة في سوريا، بدت كأن نهاية النظام وشيكة فيهما، «الا ان العام الثالث تميز بنجاح الأسد، وكان ذروة هذا النجاح في معركة القصير في شهر ايار الماضي، وبمساعدة من حزب الله، حيث جرى ايقاف الثوار السوريين، ومنذ ذلك الحين يواصل الطرفان حرب استنزاف متواصلة». اما لجهة مؤتمر «جنيف 2»، «الذي انتهى بالفشل كما كان متوقعاً»، فيشهد بحسب الصحيفة، على الوضع الحقيقي في سوريا، فـ«المسافة الفاصلة عن تسوية سياسية شاملة، تؤدي الى انهاء الحرب، لا تزال بعيدة».