في زحمة الأحداث الفلسطينية، مرّ سريعاً خبر اعتقال العدو الإسرائيلي، القائد العام السابق لـ«كتائب شهداء الأقصى» زكريا الزبيدي، والمحامي طارق برغوث، قبل أيام قليلة. السبب، كما ذكر بيان جهاز «الشاباك» الإسرائيلي، «تورطه (الزبيدي) في أعمال إرهابية خطيرة». أما مَن بقي من عائلته ورفقته في مخيم جنين، شمال الضفة المحتلة، فيرون اعتقاله «محاولة توظيف في المعركة الانتخابية الإسرائيلية»، كما قالوا في مقابلة أجرتها معهم قناة «كان» الإسرائيلية.أمر حظر النشر على تفاصيل التحقيق مع الزبيدي «سيظلّ ساري المفعول حتى الـ27 من الشهر الجاري»، وفق ما قالت المحامية فرح بيادسة لـ«الأخبار»، وكذلك الحال بالنسبة إلى برغوث، المحامي الذي يُدافع عن الأطفال والجرحى الأسرى في سجون الاحتلال، كما هو معروف بين الفلسطينيين.
قد لا يحظى معتقلون كُثر بالمتابعة التي حظي بها الزبيدي (43 عاماً)، الذي أصلاً لم ينسه الاحتلال ولا حتى الفلسطينيون. فهو، حتى أعوام خلت، كان لا يزال أحد المطلوبين للأجهزة الإسرائيلية، لكونه واحداً من أهم الشخصيات التي برز اسمها خلال الانتفاضة الثانية، بصفته القائد العام لـ«كتائب شهداء الأقصى»، الجناح المسلح لحركة «فتح».
الرجل الذي عاش يتيم الأب منذ سنوات صباه (توفّي والده نتيجة مرض)، وأخذت والدته الشهيدة سميرة على عاتقها تربيته مع سبعة أشقاء، تحمل قصته تناقضات كثيرة. فالأم فتحت باب بيتها لعائلة المسرحي الإسرائيلي جوليانو مير خميس، الذي قُتل عام 2011 في جنين باغتيال بالرصاص، اتُّهم الزبيدي بتنفيذه، واحتُجز على إثر ذلك في سجن أريحا.
أنهى الاحتلال «العفو» عنه عام 2011 دون إيضاح الأسباب


ليس هذا فحسب. الزبيدي كان قد نجا مرات عدة من محاولات اغتيال إسرائيلية، ولم يسلم من الجروح بفعل الإصابات التي تعرض لها، فيما استشهدت والدته برصاصة قناص إسرائيلي. أما شقيقه طه، فاستشهد خلال ملاحقة الاحتلال له، وحتى بقية أشقائه الستة، ثمة منهم أسرى يقضون حكماً بالمؤبد، ومنزل العائلة أيضاً هدمه الاحتلال ثلاث مرات. كل هذا لأن الرجل مسؤول عن «التخطيط لعمليات استشهادية في عمق إسرائيل» قُتل فيها عشرات الإسرائيليين رداً على المجازر التي ارتكبها العدو أثناء الانتفاضة الثانية، وفي مقدمتها تدمير مخيم جنين وحصاره، حيث كان يقيم مع رفاق سلاحه.
بالنظر إلى أهم محطات حياته وسيرته «الشقية»، يصعُب أن يوضع الزبيدي في قالب محدد، لكن يمكن القول إن حياته انقلبت رأساً على عقب بين 2005 و2007. فجراء تصريحاته لوسائل الإعلام العربية والغربية في ذلك الوقت، يتضح أنه رغم «مبايعته» القائد الجديد لـ«فتح»، رئيس السلطة محمود عباس، لم يكن راضياً عن برنامج عباس السياسي. فالأخير قضى كلياً على العمل المسلح في الضفة المحتلة، وأسّس لترتيب تسوية مع الاحتلال تقضي بتسليم الزبيدي ونحو 300 آخرين من «شهداء الأقصى» أسلحتهم مقابل «العفو» عنهم.
رغم «العفو» الذي كان في معظمه جزئياً، وبشروط تعجيزية خاصة في ما يتعلق بالتنقل، لم ينجُ عشرات المقاومين المشمولين به من الاغتيال. أما ما حدث للزبيدي، فهو أنه حُكم وسُجن لأعوام في سجون جهاز «الأمن الوقائي» التابع للسلطة، كذلك عُرف أنه آخر من سلّم سلاحه. ورغم قضائه تلك المدة في السجن، أنهى الاحتلال «العفو» عنه عام 2011 من دون إيضاح الأسباب. وقتها، كان قائد «الأقصى» قد تفرّغ للعمل المسرحي، على قاعدة «أنه وأطفال المخيم يرسلون رسالة محبة وسلام، ويطالبون المجتمع الدولي عبر الفن بحمايتهم من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال»، كما قال في مقابلة تلفزيونية.
مع ذلك، لا يُعرف بعد ما هي «التهم الخطيرة» التي تنتظر الزبيدي، بخلاف سجل العمليات السابق، أو حتى قضية مقتل المسرحي الإسرائيلي التي يبدو غريباً فتح ملفها بعد ثماني سنوات. لكن ما نقله يستحاق أيلان، وهو ضابط سابق في «الشاباك»، ومرشح حالي لانتخابات الكنيست في قائمة «أزرق أبيض»، يوضح جزءاً من الصورة، إذ قال عن زكريا، بصفته «أكثر من عرفه من الضباط الإسرائيليين»، إنه «قطّ شوارع... لطالما حاولنا الإمساك به، لكنه أفلت من أيدينا، والآن أعيد اعتقاله لانخراطه مرة أخرى في أنشطة إرهابية».