القاهرة | «الجنازات أكثر من الإنجازات». هكذا تفاعل المصريون مع الحادث المأساوي الذي هزّ محطة القطارات الرئيسية وسط العاصمة القاهرة أمس. فقبل الظهيرة، تحرك جرّار قطار (عربة المحرك) منفرداً عقب مغادرة سائقه للتشاجر مع زميله من دون اتباع إجراءات الأمان اللازمة، ما أدى إلى تحرك القطار واندفاعه بسرعة عالية تجاه الرصيف المغلق، ثم اصطدامه بالرصيف بعنف، الأمر الذي سبّب انفجار خزان الوقود الخاص بالجرار على الرصيف.الرئيس عبد الفتاح السيسي اكتفى بكلمات مقتضبة خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع نظيره الألباني ظهراً في قصر الاتحادية، آمراً بـ«محاسبة المسبّبين للحادث» مع رعاية المصابين في الواقعة. وتقدم بـ«خالص التعازي» إلى أسر الضحايا، وقال إن على الحكومة إجراء التحقيقات اللازمة.
حاولت الدولة التعتيم على الخبر بدايةً لولا وقوع الكارثة في قلب العاصمة(أ ف ب )

وكالعادة، حاولت الدولة التعتيم على الخبر بدايةً، لكن وقوع الكارثة في قلب العاصمة جعل وسائل الإعلام المختلفة مجبرة على التعامل معها، وإن حرصت على نسبها إلى «الإهمال»، لقصر المسؤولية على موظفي سكة الحديد وإبعاد أي جانب سياسي عن الحادث، على رغم أن الذاكرة القريبة تحمل مطالبات السيسي في تصريحات سابقة بزيادة أسعار تذاكر السكة، لأنه لا يريد الإنفاق عليها من موازنة الدولة، بل أن يتحمل ركابها نفقة إصلاحها.
بحسب البيانات الرسمية، خلّف الحادث الكارثي، كما تظهر الصور وكاميرات المراقبة، أكثر من 20 ضحية و50 مصاباً، ما دفع وزير النقل هشام فرحات إلى تقديم استقالته بعد ساعات قليلة خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء. وتحركت أجهزة الدولة لاحتواء تداعيات الحادث الذي هزّ العاصمة، خاصة مع توجيه أصابع الاتهام إلى المسؤولين الحكوميين الذين أقرّوا فوراً صرف تعويضات استثنائية، وحرصوا على تفقد موقع التفجير بسرعة. ولم تتمكن أجهزة الأمن من التعرف إلى هوية عدد كبير من الضحايا بسبب تفحّم جثثهم، في وقت أكد فيه فرحات أنه قرر الاستقالة التي قُبلت بدقائق «دون ضغوط من أحد».
وفق التحقيق الأولي، سار القطار المصطدم بلا سائق بسبب مشادة كلامية


وطبقاً لشهود عيان، يرجع سبب الحادث إلى مشادة كلامية وقعت بين سائق الجرار وسائق قطار آخر خلال مناورة تحويل بين القطارين، فظلّ الجرّار يتحرك ببطء، لكن سرعته ازدادت على نحو عجز السائقون معه عن إيقافه أو إبلاغ إدارة المحطة. أما سائقا القطارين اللذين فرّا بعد مشاهدتهما الانفجار الكبير، فجرى توقيفهما وضبطهما بعد ساعات وإحالتهما على التحقيق أمام النيابة، حيث استمع إلى أقوالهما فريق محققين شكّله النائب العام بنفسه، موصياً بإحالة المقصّرين على المحاكمة الجنائية، التي يتوقع أن تصل العقوبة فيها إلى السجن المشدد 15 عاماً وفق قانون الإجراءات الجنائية الحالي.
ووفق مسؤول في هيئة سكك الحديد، كان خزان الوقود يحتوي على كميات كبيرة، ما سبّب زيادةَ قوة الانفجار، بجانب وجود كميات من الزيوت والشحوم على الرصيف الذي شهد الحادث. وقال المسؤول إن اللجنة الفنية المختصة «ستحدد مسؤوليات كل شخص، خاصة في ما يتعلق بالمسؤولين عن دورة التشغيل السابقة، وهم برج التحويل في الورشة، ومدير الورشة، والفنيون والميكانيكيون أثناء الوردية التي شهدت الحادث، والسائق المُعين على الجرار».
لكن ما حدث يضيء على ما تعانيه السكك المصرية من مشكلات متراكمة منذ سنوات، تحتاج إلى نحو عشرة مليارات دولار لمعالجتها كلياً، منها مشكلات مرتبطة بتدريب العمالة وتأمين مسارات القطارات، بالإضافة إلى الأنظمة المستخدمة في العمل، والاعتماد على العنصر البشري في توجيه خطوط السير، والتعامل اليدوي في عدد من المحطات، فضلاً عن عدم جاهزية الجرارات وتكرار أعطالها.
في المقابل، تقول الحكومة إنها وضعت خطة قبل سنوات لتحقيق طفرة في سكك الحديد بحلول 2030، على أن يتحقق جزء رئيسي منها بحلول 2022، فيما ترفض وزارة المالية منح «النقل» المخصصات التي ترغب فيها الأخيرة لتحسين الخدمة، إذ تقول إنها كانت تستعد لرفع تكلفة تذاكر القطارات التي يستخدمها ملايين المصريين في التنقل يومياً بين المدن، بسبب انخفاض قيمة تذاكرها مقارنة بالسيارات.
وتاريخياً، أطاحت حوادث سكة الحديد الدموية عدداً من وزراء النقل، لكن في جميعها لم يحكم على الموظفين المتهمين إلا بالسجن، باعتبار أن الحادث قَتل خطأ. ويُعدّ أكثر الحوادث دموية احتراق قطار الصعيد عام 2002، الذي راح ضحيته نحو 500 شخص. إلا أن حوادث القطارات شهدت خلال الشهور الماضية تراجعاً نسبياً، بفضل المنظومة الجديدة التي بدأ تطبيقها جزئياً في عدد من المحافظات.