الخرطوم | تلقّت حكومة الرئيس عمر البشير تطميناً مباشراً من الولايات المتحدة، مع دخول الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام شهرها الثالث. وعلى رغم تعليق البشير، ومسؤولين حكوميين كبار، جزءاً من فشلهم في إدارة الملف الاقتصادي على شمّاعة العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد منذ عام 1997، إلا أن الخرطوم احتفت بتصريحات المُساعد الخاص للرئيس الأميركي، وكبير مستشاريه لشؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي، سيريل سارتر، الذي حطّ في العاصمة السودانية، أول من أمس، لمناقشة سير المرحلة الثانية من الحوار الثنائي بين البلدين، والهادف إلى إزالة اسم السودان من القائمة الأميركية لـ«الدول الراعية للإرهاب»، في إحياء لاجتماعات شهرية جُمّدت منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، بعدما كانت تلتئم بصورة دورية في الخرطوم. لكن سارتر عاد ورهن، أمس، استمرارية الحوار بعدم استخدام السلطة العنف ضد المتظاهرين، الذين سقط منهم أكثر من 50 متظاهراً بالرصاص الحي، وفق تقديرات المنظمات الحقوقية.وبعيداً عن التحذيرات الأميركية من تأثير القمع على العلاقة بين البلدين، والتي تمرّرها واشنطن من حين إلى آخر، طمأن المُساعد الخاص للرئيس دونالد ترامب، البشير، إلى أن واشنطن ترفض «أي حلول من الخارج»، في دعوة لحل الأزمة السياسية المستجدة منذ شهرين داخلياً، طالباً من البشير «الصبر لإيجاد حلول سياسية للأزمة»، التي اعتبرها مجرد «مرحلة انتقالية تتطلب احترام الحكومة لحق المواطنين في التعبير السلمي عن أنفسهم، مع التزام الطرف الثاني (المحتجين) بالسلمية ذاتها»، في إشارة إلى ما كان قد ردّده البشير من اتهام «متآمرين» بالوقوف وراء أعمال العنف، في أكثر من مناسبة.
تماطل إدارة ترامب في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب


لكن تصريحات سارتر تحمل رسائل إلى البشير، الذي يرفض مبادرات تشكيل حكومة انتقالية، بضرورة إيجاد حلّ داخلي، خصوصاً أنها لم تتقاطع تماماً مع قاله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في مقابلة مع قناة «الحرة» الخميس الماضي، حين تمنى أن «تُسمع أصوات الشعب السوداني وأن تحصل عملية انتقال»، على رغم تأكيده أنه «في حال حصولها، (يجب أن تكون) بقيادة الشعب وليس عبر نفوذ أجنبي» كما شدد سارتر، ما دفع مراقبين إلى اعتبار الموقف الأميركي «غير حاسم» في دعم نظام البشير حتى الآن.
من هنا، اعتبر سفير السودان السابق لدى الولايات المتحدة، الرشيد أبو شامة، في حديث إلى «الأخبار»، أن تصريحات المسؤول الأميركي تنسجم مع سياسة ترامب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً»، ولا علاقة لها برغبة أميركا أو حرصها على بقاء النظام القائم في الخرطوم. وأضاف أبو شامة أن «إدارة ترامب تمارس نوعاً من المماطلة في ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب»، مشيراً إلى أن «ترامب يعاني من ضغوط من الكونغرس، الذي لديه رأي سالب في مسألة رفع اسم السودان من القائمة، بالإضافة إلى مجموعات ضغط معادية للحكومة السودانية، تضغط في اتجاه عدم رفع اسم السودان منها».
من جهته، دعا القيادي في حزب «الأمة» المعارض، والموقع على «ميثاق الحرية والتغيير»، إبراهيم الأمين، في حديث إلى «الأخبار»، حكومة البشير إلى «عدم الابتهاج بتصريحات المسؤول الأميركي»، مؤكداً أن «مشاكل السودان لن تُحلّ إلا بتقوية الجبهة الداخلية». وأضاف أن «أي حديث للمسؤولين الأميركيين لا يجب الاعتماد عليه»، مشيراً إلى أن السودان يعيش تداعيات «التأثير الأجنبي في القرار السياسي».


أما بشأن استكمال الحوار، يبدو أن واشنطن تطالب الخرطوم بحزمة من الإجراءات مقابل رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهو ما شدد عليه سارتر أمس، بالقول إن «التطورات التي تشهدها البلاد حالياً تهدد عملية التفاوض بين الولايات المتحدة وحكومة السودان». وفي هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى أن قرار الإدارة الأميركية، القاضي برفع العقوبات الاقتصادية، لم يُتخذ إلا لتتمكن واشنطن من كسب دعم السودان في ملف محاربة الإرهاب، إذ تم ذلك بطريقة لا تمكن الاستفادة منها، لا سيما مع إبقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993. فعلى رغم مرور 16 شهراً على قرار رفع العقوبات نتيجة «خطوات إيجابية» اتخذتها الحكومة السودانية في ملف مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية، إلا أن النظام المصرفي لا يزال يُعاني من تبعات تلك العقوبات في جميع المعاملات المصرفية، بالإضافة إلى عدم تمكن السودان من الاستفادة من المساعدات المالية من البنك الدولي.
من جهة أخرى، يظهر أن ترامب لا يزال حتى الآن يتماشى مع حلفائه الخليجيين في دعم البشير، الذي أحدث تغييراً جذرياً في سياسته الخارجية منذ عام 2014، حين قطع العلاقات مع إيران، وتحوّل إلى المحور السعودي، وشارك في العدوان على اليمن، بغية استدرار دعم اقتصادي للسودان، والمساهمة في إقناع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما برفع العقوبات، خصوصاً أن وزير النفط السوداني، زهري عبد القادر، سبق وأعلن بعد ما يقارب الشهر من الاحتجاجات، أن روسيا وتركيا عرضتا مساعدات اقتصادية للخروج من الأزمة. وهو إعلان تبعته بيوم زيارة لوزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد القصبي، إلى الخرطوم، أعلن خلالها أن المملكة لن تتردد في دعم السودان في أي وقت.