بات ترشح وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية حديث الناس في كل الاجتماعات. وظهرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالبه بإنقاذ البلاد، وإكمال «جميله»، الذي بدأه بعزل الرئيس محمد مرسي في خطابه الشهير مساء 3 تموز الماضي، وترافقت هذه الحملات مع أخرى مشابهة في الشارع، فلماذا أصبح السيسي المرشح المحتمل الأوفر حظاً للفوز بالكرسي الرئاسي؟
إن حالة الحراك السياسي التي بدأت بعد ثورة «25 يناير»، ولم تنته حتى الآن، أحدثت تغيراً كبيراً في الحياة السياسية المصرية، غير أن التجرية الإخوانية في الرئاسة عطّلت المسار الديموقراطي، الذي كانت مصر قد بدأته بالفعل، فعادت الأمور من جديد إلى المربع الأول.
تزامن ذلك مع حالة من الهلع الحقيقي في الشارع المصري، بسبب حالة عدم الاستقرار منذ الثورة حتى الآن، والعمليات الإرهابية التي تنفذها تنظيمات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، على الأقل من وجهة نظر السلطات، برغم نفي الجماعة علاقتها بتلك التنظيمات. كذلك أدى الإعلام دوراً كبيرا في خلق حالة من الفزع بين المواطنين، من خلال تضخيم الأحداث، وأحيانا أختلاق أحداث غير موجودة على أرض الواقع.
كل ذلك أسهم في تعزيز مكانة السيسي، إذ أصبح الهم الأساسي للمواطنين يتركز على العيش الآمن، وهؤلاء يرون أن الأمان لا يمكن أن يأتي من دون حاكم أمني. وبما أن شعبية الشرطة لا تزال منخفضة في الشارع، ينفرد الجيش بكونه المؤسسة الأمنية الوحيدة التي تتمتع بشعبية واسعة بين الناس، وبناءً عليه، من الأفضل أن يأتي رئيس من هذه المؤسسة. وفي هذا السياق، رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، سعيد صادق في حديث لـ «الأخبار»، «أن الأوضاع السياسية والاجتماعية هي من تصنع المرشحين لرئاسة الجمهورية في أي مكان في العالم، فالدولة التي تعاني أزمات اقتصادية طاحنة، مثلاً يكون فيها المرشحون الاقتصاديون هم الأوفر حظاً للرئاسة»، موضحاً «أن الرأي العام يهتم بمصلحته الخاصة، لذلك يبحث دائماً عن الشخص الذي يعتقد أنه سيحقق له هذه المصالح».
من جهة ثانية، نجح السيسي منذ اليوم الأول في أن يكون قريباً من غالبية الشعب، من خلال خطابٍ عاطفي يعشقه المصريون، مزج فيه بعض الكلمات الشعبية، التي تؤثر كثيراً في معظم المصريين.
ويرى خبراء تحليل الخطاب أن اعتماد السيسي على كلمات عامية في خطاباته، جعله قريباً من المصريين، الذين ملّوا الخطابات الكلاسيكية، باللغة الفصحى التي لا يستطيعون فهم أغلبها.
ويعتقد الكاتب الصحافي صلاح عيسي في حديث لـ «الأخبار»، أن المزاج العام الشعبي يسير مع ترشح رجل ذي خلفية عسكرية لرئاسة الجمهورية، موضحاً أن معظم الشعب فزع من حالة الفوضى السياسية بعد ثورة «25 يناير»، وأصبح يرغب في وجود رئيس قادر على ضبط الشارع بيد حازمة، لكن غير مستبدة.
وقال عيسى إن انضمام القوات المسلحة إلى ثورة «30 يونيو» وظهور شخصية السيسي، جعلا الشارع يشعر بأنه وجد ضالته، مشيراً إلى أن هذا المزاج الشعبي سيظل مسيطراً طالما سيطرت الفوضى على الحياة السياسية، واستمرت العمليات الإرهايية.
وبرغم أن السيسي أكد في اجتماع مغلق لمجلس الوزراء الشهر الماضي «أنه لا مجال لعودة نظام مبارك»، فإن الرجل يتمتع بدعم كبير من رجال الأعمال وبقايا نظام مبارك، الذين يرون في ترشحه إعادة لاعتبار النظام الذي كان سبباً في ارتفاع أرصدتهم في البنوك.
وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، إن الإعلام أدى دوراً كبيراً في المرحلة الأخيرة، لافتاً إلى أن هذا الدور لم يسمح بصناعة شخص أخر غير السيسي لتولي منصب رئيس الجمهورية، ويعود ذلك إلى سيطرة رجال الأعمال على الوسائل الاعلامية، التي كان لها دور كبير في عملية إطاحة نظام جماعة الإخوان.
وأكد نافعة أن الظروف هي التي خدمت السيسي، وخاصة بعد تدخل الجيش وحسم الأزمة التي كانت تعيشها البلاد إبان حكم الإخوان، بسبب طريقته في اتخاذ القرار قبل وبعد «30 يونيو»، التى جعلته يبدو كمنقذ لمصر من الأزمة التى تمر بها.