نشر أو تسريب تقرير موقع «واللاه» العبري، عن استعداد تل أبيب للانسحاب من 90 في المئة من الضفة الغربية، لا شك في أنه يخدم بنيامين نتنياهو في عدة اتجاهات. فهو يمثل محاولة جس نبض للجهات الداخلية والخارجية حيال اقتراح كهذا، وهي خطوة يحتاج إليها نتنياهو في الطريق الى اتفاق ما مفترض.
من جهة أخرى، يُقدِّم التقرير نتنياهو كزعيم يريد فعلاً التوصل الى تسوية، ومستعد لتقديم التنازلات رغم أنها تتعارض مع خلفياته الايديولوجية، في محاولة للقول إن تصلبه في القضايا الاخرى يعود الى خلفيات وهواجس أمنية ليس إلا، وهي صورة تحتاج إليها إسرائيل ونتنياهو في المواجهة التي ستلي مرحلة ما بعد فشل المفاوضات، خاصة في ظل التلويح بالمقاطعة الاقتصادية التي تخيم على الساحة الاسرائيلية.
وكان موقع واللاه العبري ذكر، نقلاً عن مصادر مطلعة على المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، أن إسرائيل تطالب بضم حوالى 10% من مناطق الضفة الغربية، وبالتالي الاستعداد مبدئياً للانسحاب من 90%، فيما السلطة ترفض ضم مثل هذه النسبة وتوافق على ضم حوالى 3%، مشيراً الى أن المطالب الاسرائيلية والاقتراح الفلسطيني المضاد يسمح كل منهما بالإبقاء على 70ــ80% من المستوطنين تحت السيادة الإسرائيلية. وأوضح أن «عرض تعويض الفلسطينيين عن هذه النسبة ليس واضحاً، في ظل وجود خلافات أيضاً حول شكل تعويض الفلسطينيين».
وبحسب موقع «واللاه»، «منذ بداية شهر تموز الماضي، تطالب إسرائيل في إطار المفاوضات بضم الكتل الاستيطانية التالية: غوش عتصيون ومعاليه ادوميم وجفعات زئيف وارئيل والمستوطنات على طول الخط الاخضر، إضافة إلى المستوطنات القديمة، وكارني شومرون ومعاليه شومرون».
وبحسب مصدر أميركي، كما نقل موقع واللاه، «لم يتحدث الجانبان حتى الآن عن نسبة مئوية في التبادل، لكن عند جمع المواقع التي تطالب بها إسرائيل، تبلغ نسبتها من 10 الى 11% من الضفة الغربية، وان الأمر مرتبط بالتفسيرات»، مشيراً الى أن «الصورة الجغرافية واضحة نسبياً». وأضاف المصدر «من الواضح أيضاً أن كل ما تبقى، حوالى 90% من الضفة، هناك استعداد مبدئي (لدى إسرائيل) للتنازل عنه».
الى ذلك، أضاف المصدر الاميركي أن «إسرائيل اقترحت أيضاً عقد إيجار طويل الأجل لبيت ايل وعوفرا ومستوطنات قريبة منهما، لكن من دون ضمّها، كما أكدت إسرائيل أن من المهم بالنسبة إليها أن تبقي على وجودها في الخليل».
ونقلاً عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية، يوجد خلاف بين الطرفين حول بعض الكتل، من قبيل أن الفلسطينيين وافقوا على ضم غوش عتسيون الى إسرائيل، لكن يوجد خلاف حول مستوطنة افرات ومجدال عوز، شرقي طريق 60. وفي ما يتعلق بمعاليه ادوميم، تطالب إسرائيل أيضاً بالمستوطنات الصغيرة المجاورة، وهو ما يرفضه الفلسطينيون بشدة. مع ذلك، لا يرفض الفلسطينيون ضم مستوطنة غفعات زئيف الواقعة شمالي القدس، وضم مستوطنات قريبة من الخط الاخضر .
وبالمقارنة مع المطالب التي قدمتها إسرائيل في الجولات السابقة من المفاوضات، لفت موقع واللاه الى أنه في عام 2000، طالبت إسرائيل، في ظل رئاسة إيهود باراك للحكومة، بضم 8% من الضفة، بينما تناولت المفاوضات بين إيهود أولمرت ومحمود عباس في عام 2008 ضم 6,5%. مع ذلك، أشار الموقع الى أن الموقف الاسرائيلي في الجولات السابقة كان أكثر تصلباً، فيما لو استمرت المفاوضات الحالية من المحتمل أن تتراجع إسرائيل عن سقف الـ10%، ولفت الموقع الى أن صحيفة هآرتس نقلت في شهر حزيران الماضي عن وزير رفيع في حزب الليكود أن نتنياهو سيوافق على التنازل عن أكثر من 90% من الضفة مقابل ترتيبات أمنية جيدة.
وفي ما يتعلق بالتعويضات الاسرائيلية، أوضح الموقع أن جزءاً منها هو تقديم مساحات من الاراضي في محيط قطاع غزة، إضافة الى فتح الممر الآمن بين الضفة الغربية والقطاع، لكن ما يؤخر تجاوب الفلسطينيين على هذه المقترحات هو الوضع في قطاع غزة وسيطرة حماس عليه، كما أن الصفقة تتضمن توسيع محافظة الخليل لتشمل أراضي من أراضي الـ48. وفي ما يتعلق بالممر الآمن، لفت مصدر إسرائيلي إلى أن إقامة مثل هذا الممر مرتبط بالتطورات في غزة.
وقال الموقع أيضاً إن الفلسطينيين الذين يرفضون نسب التبادل هذه يحظون بدعم الموقف الاميركي، حيث يريد الاميركيون أن تقدم إسرائيل عروضاً أكثر سخاءً من التي تقدم حالياً، مشيرة الى أنهم يرفضون العروض المالية الاسرائيلية السخية، لأن الأمر يجب أن يحظى بموافقة شعبية، ومن دون وجود تبادل أراض مقنع لن يحظى الفلسطينيون بالدعم الشعبي لهذه الخطوة، حيث أوضح الأميركيون أنهم يميلون الى تخفيض نسبة الاراضي التي تريد إسرائيل إبقاءها تحت سيطرتها.
وعلى الرغم من الخلافات تجاه الكتل الاستيطانية وحجم مناطق التبادل، يعتقد الاميركيون أن القضية الجغرافية لن تشكل عقبة في الطريق الى اتفاق الاطار وتمديد المحادثات. وبالمقارنة مع الخلافات حول قضية القدس، والاعتراف بالدولة اليهودية والترتيبات الامنية، تبدو الفجوات في هذا المجال أصغر، ومن الممكن جسرها. وإن السؤال الكبير هو كيف سيرد ائتلاف نتنياهو وحزبه إزاء الاستعداد المبدئي للتنازل عن الأغلبية الكبرى من الضفة الغربية. وإن موافقة نتنياهو المبدئية على الانفصال عن 90% من الضفة، لا يعني بالضرورة موافقة على إخلاء المستوطنات من هذه المناطق.
وفي ما يتعلق ببعض ردود الفعل التي صدرت حتى الآن، غمز نائب وزير الدفاع الاسرائيلي داني دانون من ناحية نتنياهو، وأكد أن هذا المسار لن يخرج الى حيز التنفيذ، وأضاف «مع كل الاحترام لكل التقارير من الداخل والخارج، في الليكود يوجد مئة في المئة تأييد للاستيطان في الضفة الغربية»، مشيراً الى أن حكومة برئاسة الليكود لن تسمح بحدوث خطأ استراتيجي كهذا مرة أخرى». الى ذلك، رأت عضو الكنيست ميري ريغف أن «من الممنوع التنازل عن أي شبر من الضفة الغربية»، مضيفاً أن «لجنة الوزراء ينبغي أن تقرر يوم الاحد المقبل القرار الصحيح والأكثر معقولية عبر بسط السيادة الاسرائيلية على مناطق الضفة». أيضاً، رأى رئيس مجلس المستوطنات، السابق، دان ديان، أن هذا الاقتراح يشكل خطأً قيمياً واستراتيجياً، لكنه أضاف أنه لا يوجد أمل بأن يقبل به الفلسطينيون.