منذ تعيينه رئيساً للحكومة منتصف عام 2016، لم يجد يوسف الشاهد في أزماته المتتالية حليفاً أفضل من «حركة النهضة». خلال مشاورات تحديث «وثيقة قرطاج»، التي تحدّد أولويات عمل الحكومة، ويعمل عليها عدد من الأحزاب والمنظمات المهنية الكبرى، تشبّثت «النهضة» بالشاهد في وجه المطالبات بتشكيل حكومة جديدة، وبرّرت ذلك بحرصها على «الاستقرار الحكومي». توترت علاقة رئيس الحكومة بـ«حركة نداء تونس» التي كان ينتمي إليها، ثم برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لكن في كلّ مرة كانت تسعفه أصوات نواب «النهضة» خلال عرضه وزراءه الجدد أمام البرلمان. إلا أنه، بعد تأسيسه «حركة تحيا تونس»، نهاية الشهر الماضي، يبدو أن الدعم الذي يحظى به الشاهد من «النهضة» أصبح مهدّداً.
أول من أمس، وعلى هامش مؤتمر لتجديد هياكل حركته في مدينة المنستير (وهي نفسها التي أُعلن منها تأسيس «تحيا تونس»)، قال راشد الغنوشي إن التخلّي عن الحكومة الحالية «فرضية محتملة»، حيث من الممكن التوجّه نحو تشكيل حكومة غير حزبية تشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستعقد نهاية هذا العام.
يرى «نهضويون» أن المبالغة في دعم الشاهد قد تستجلب نتائج عكسية


في واقع الأمر، ليس تصريح الغنوشي إلّا تعبيراً واضحاً عن غضب بدأ يعتمل داخل «النهضة» منذ انطلاق العام، حيث يرى بعض القياديين داخلها أن دعم الشاهد وحركته الجديدة (التي كانت قيد الإنشاء منذ أشهر) بشكل مبالغ فيه قد يستجلب نتائج عكسية. هذا الرأي له ما يدعمه، حيث يلاحظ «النهضويون» الغاضبون أن محيط رئيس الحكومة صار يضمّ تدريجاً بعض أبرز الوجوه المعروفة بمعارضتها للإسلاميين، ما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج تجربة «نداء تونس». المسار البديل، بحسب هؤلاء، هو العمل على إضعاف جميع الخصوم، من خلال تشكيل حكومة تكنوقراطية، وحرمان الشاهد مراكمةَ رصيد انتخابي أكبر.
قد يكون الأمر أيضاً محاولة من الغنوشي للضغط على الشاهد، في سبيل استيضاح المواقف. فمن ناحية، دعا الزعيم «النهضوي» منذ عام ونصف عام، رئيس الحكومة، إلى إعلان عدم ترشّحه في الانتخابات القادمة، إلا أن دعوته قوبلت بصمت كلي. في المقابل، لم يرغب الشاهد في توتير الأوضاع مع حليفه، حيث لا يدّعي حتى الآن وجود علاقة بينه وبين حركة «تحيا تونس» التي لم يحضر اجتماعها التأسيسي، ولا يشغل ضمنها موقعاً رسمياً. لكن، يعلم الجميع أن الحركة الجديدة داعمة لرئيس الحكومة، وهو أمر يؤكده باستمرار نواب كتلتها البرلمانية التي تحمل اسم «الائتلاف الوطني»، وزعماؤها الذين انشقّ أغلبهم عن حركة «نداء تونس»، وبعضهم عن أحزاب منخرطة في الائتلاف الحاكم.
من جهته، قال النائب عن التكتل اليساري الأكبر في البلاد، «الجبهة الشعبية»، جيلاني الهمامي، إن «حركة النهضة ستطالب في الأيام القادمة باستقالة الحكومة بشكل واضح وصارم»، مرجعاً ذلك إلى رفضها وجودها في الحكم مع خصم سياسي ستتنافس معه في الانتخابات القادمة. بدورها، رأت النائبة عن «التيار الديمقراطي»، سامية عبو، أن مفاتيح بقاء الشاهد ورحيله «بين أيدي النهضة»، في إشارة إلى الثقل البرلماني الذي تمتلكه الحركة (69 نائباً).
والجدير ذكره أن صعود نجم يوسف الشاهد جاء عقب تزعّمه جبهة معارضة للمدير التنفيذي لـ«حركة نداء تونس» ونجل رئيس الجمهورية، حافظ قائد السبسي، تحت شعار رفض توريث السلطة. وقبل تولّيه رئاسة الحكومة، شغل الشاهد منصب وزير في حكومة حبيب الصيد، وكان يُعَدّ من الشخصيات المحايدة داخل «النداء»، حتى إنّه عُيّن من قِبَل رئيس الجمهورية على رأس لجنة لحلّ النزاعات الحزبية الداخلية.