في سياق التطورات التي يشهدها الجنوب الغربي الليبي، وتصاعد التوتر بعد المقاومة التي واجهتها قوات المشير خليفة حفتر في مدينة أوباري من قِبَل تشكيلات تتبع الآمر العسكري المعيّن حديثاً من قِبَل حكومة «الوفاق الوطني» علي كنه، حاولت مقاتلة من طراز «ميغ 23» تتبع جيش حفتر، السبت الماضي، منع طائرة مدنية من الإقلاع انطلاقاً من مطار صغير يقع داخل «حقل الفيل» النفطي، وذلك عبر قصف محيط المنطقة، ثم أجبرتها، حين رفضت الانصياع، على النزول في قاعدة «تمنهنت» العسكرية. لاحقاً، اتضح أن الطائرة قَدِمت من طرابلس، وحملت علي كنه وجرحى المعركة الأخيرة في أوباري، أما الحجّة التي استخدمتها قوات حفتر لتبرير خطوتها، فكانت إصدارها قبل أيام أمراً بحظر النشاط الجوي ما لم يكن مرخّصاً من طرفها. في مساء اليوم نفسه، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» بياناً ندّد فيه بـ«القصف بالصواريخ الذي تعرضت له طائرة مدنية»، وعدّه «اعتداءً» بمثابة «عمل إرهابي لا تسمح بارتكابه كافة القوانين والمعاهدات الدولية، وتعدّه جريمة ضد الإنسانية». علاوة على ذلك، رأى المجلس في الحادثة «عبثاً مدمراً... (يُعدُّ) محاولة لجرّ البلاد إلى مواجهات دامية جديدة تمدّ من عمر الأزمة»، وأعلن اتخاذه خطوات إجرائية لعرض الأمر على مجلس الأمن الدولي. وسط هذا التصعيد، أعلن متحدث باسم قوات شرق ليبيا، في تغريدة على «تويتر»، أن «القوات المسلحة استكملت بسط سيطرتها الكاملة على حقل الشرارة بكامل منشآته الرئيسية سلمياً، من دون أي اشتباك، وتقوم الآن بتأمينه بالتنسيق مع إدارة الحقل». يأتي ذلك بعد أسبوع على إعلان قوات حفتر السيطرة على الحقل (ينتج أكثر من 300 ألف برميل يومياً بما يمثل قرابة ثلث إنتاج البلاد من الخام)، والذي أعقبه حديث مصادر محلية أمس عن وصول تعزيزات عسكرية قادمة من المنطقة العسكرية الغربية إلى «الشرارة»، وذلك لتعزيز تشكيلات «حرس المنشآت النفطية» الموجودة في الحقل. لكن مسؤولاً في قوات حفتر، طلب عدم نشر اسمه في حديث إلى وكالة «الأناضول»، أكد أن قوات حفتر «كانت تتواجد داخل الحقل منذ أيام، وتتقاسم السيطرة عليه مع حراس النفط، لكنها تقدمت اليوم أكثر، وسيطرت على الحقل بشكل كامل». وجاء الحديث عن هذا التقدم بعد ثلاثة أيام على إصدار عشر كتائب من مدينة أوباري، بينها ثلاث متمركزة في حقل الشرارة، بياناً أعلنت فيه تأييدها «عملية تحرير الجنوب التي أطلقها» حفتر، وأعربت فيه عن استعدادها لـ«تنفيذ الواجب المنوط بها من قبل القيادة»، لكن البيان تضمن أيضاً دعوة حكومة «الوفاق» إلى «عدم السماح بقدوم أي قوات عسكرية إلى المنطقة الجنوبية».
عبّرت فرنسا عن دعمها لعملية «غضب الصحراء» التي أطلقها حفتر

بموازاة هذا الصراع على الأرض، ثمة تنافس موازٍ بين الفاعلين الليبيين على تحصيل الدعم الدولي. من الجهة الأوروبية، عبّرت فرنسا عن دعمها لعملية «غضب الصحراء» التي أطلقها حفتر في الجنوب. وفي مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء الماضي، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إن التطورات مكّنت من «القضاء على أهداف إرهابية مهمة، وقد تعرقل على نحو مستدام أنشطة مهرّبي المهاجرين، الذين ينتشرون في منطقة بين الساحل والبحر المتوسط». ما لم يذكره لودريان، الذي تجمعه علاقة بحفتر منذ كان وزيراً للدفاع فترة حكم الرئيس فرنسوا هولاند، أن العملية تصبّ في مصلحة فرنسا أيضاً، لأنّها مكنتها من اصطياد معارضي حليفها التشادي الهاربين من جنوب ليبيا. على عكس فرنسا، لم تغير الولايات المتحدة موقفها السابق، ولم تعرب عن أي شكل من أشكال المساندة أو الدعم لحفتر. وعقب لقاء لوزير خارجية حكومة «الوفاق»، محمد الطاهر سيالة، مع مساعدة وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي كاثرين ويلبارغر، وكبير مديري مجلس الأمن القومي سيريل سارت، أول من أمس، أُعلن التزام الولايات المتحدة دعمَ حكومة «الوفاق» في مجال محاربة الإرهاب، وهو تعاون بدأ عام 2016، ويركز خاصة على استخدام الطائرات من دون طيار المنطلقة من قواعد في بلدان الجوار. وفي سياق ذلك، وصل وزير الداخلية في حكومة «الوفاق»، فتحي باشاغا، أمس، إلى واشنطن، حيث يُنتظر أن يلتقي في الأيام المقبلة عدداً من المسؤولين العسكريين.