تتفاءل الكتل النيابية، المتبنية لقانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، بإمكانيّة إصداره. من التشريع إلى التنفيذ، ثمة مسارٌ ضبابيٌّ يطرح حزمةً من الأسئلة، أبرزها ما هو موقف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. الإجابة، طبعاً، ستكون في إطارها النظري. عمليّاً، وحتى إقرار القانون، قد يتبدّل الموقف، خاصّةً أن الضغوط الخارجية «عادةً» ما تقلب موازين العملية السياسية في «بلاد الرافدين».سيناريوات عديدة من شأنها أن تحسم صورة عبد المهدي، المتصف بسياسة «إمساك العصا من الوسط»، على قاعدة اللعب على التوازنات/ التناقضات بين طهران وواشنطن في الحلبة العراقية. القوى السياسية، في أحاديث مسؤوليها، تترقب موقف عبد المهدي إزاء هذه القضيّة خصوصاً، لتحسم استمرار دعمها له في السنوات الأربع المقبلة، بعدما حدّدت ـــ مسبقاً ـــ أن مدّة الدعم/ مراقبة الأداء الحكومي بعامٍ واحدٍ فقط.
أول هذه السيناريوات، مضي عبد المهدي، بشكلٍ تلقائي، في تنفيذ القانون الصادر عن البرلمان. الثمن لن يكون سهلاً، خاصّةً أن التفسير السياسي لخطوةٍ كهذه يعني أن الرجل قد حسم خياره «الاستقلالي الوطني». لكن ذلك سيدفع بالولايات المتحدة وحلفائها إلى اتهامه بالإنضمام إلى معسكر إيران وحلفائها العراقيين، وهو أمرٌ «لا يريده إطلاقاً»، وفق مصادر متابعة لحراكه. هذا الانتقال من الوسط إلى المقلب الإيراني، قد يدفع بمواجهةٍ سياسيةٍ ـــ ميدانية ضده، خصوصاً أن التوقعات بـ«صيفٍ حامٍ» بدأت تسري «همساً» في أحاديث القوى السياسية، من دون إغفال إمكانية تحريك خلايا تنظيم «داعش» النائمة، في المناطق الشمالية، والغربية وصولاً إلى الحدود السورية. وتنفيذ القانون سيُكسب عبد المهدي دعم فريق واسع من القوى السياسية العراقية، إلا أنه سيكون بمثابة شرارة مواجهةٍ ناعمة بينه وبين السفير الأميركي القادم إلى العاصمة بغداد قريباً، ماثيو تولر، حيث التوقّع أيضاً أن إسناده منصباً كهذا يعني أن المواجهة بين واشنطن وطهران، على أرض بغداد، ستأخذ منحىً تصاعديّاً أكثر من حقبة سلفه دوغلاس سيليمان.
توقعات بـ«صيفٍ حامٍ» بدأت تسري «همساً» في أحاديث القوى السياسية


أما السيناريو الثاني ـــ الذي «تخشاه» القوى السياسية صاحبة اقتراح القانون ـــ فأن يعيد عبد المهدي تجربة سلفه حيدر العبادي: مماطَلة، ومراوَحة من دون أن يتمكّن من حسم موقفٍ تجنباً لإحراجٍ مع واشنطن، وخوفاً من «امتعاضٍ» من طهران أو حلفائها على حدٍّ سواء. وإن كان هذا التوجّه «الأكثر توقعاً»، مع ترجيح «تفهّم» دوائر القرار في إيران لخطوةٍ مماثلة، إلا أن القوى السياسية لن تقتنع بخطوةٍ كهذه، والتي من شأنها ضرب «الثقة» بشخص عبد المهدي، لأن التصويت لصالح تكليفه جاء على «مضض». وعليه، فإن حجّة الهجوم على أدائه سيقدمها الرجل بالمجان إليهم، منتقلين بذلك في خطابهم من السرّ إلى العلن، على قاعدة أن «عبد المهدي رجلٌ ضعيف، وليس بالإمكان أن يتبوّأ مثله منصب رئيس الوزراء».
ثمة سيناريو ثالث يقود إلى مواجهةٍ داخلية مع أكثر من طرف، لعلّ أبرزها «التيّار الصدري» و«الفتح»، وغيرهما من الكتل التي تنتظر زلّةً من عبد المهدي للهجوم عليه: أن يرفض رئيس الوزراء تنفيذ القانون، منتقلاً إلى المقلب الأميركي، على قاعدة احتواء «غضب» واشنطن، والحفاظ على العلاقة معها، بـ«التنسيق» المسبق مع طهران. ارتدادات خطوةٍ كهذه لن تكون أقل من نتائج سياسة العبادي، إذ سيشتري عبد المهدي الكثير من الخصوم الذين سيستثمرون في خطوته على كافة المستويات، وأبرزها مستقبله السياسي.
التحدي أمام عبد المهدي، في المرحلة المقبلة، يكمن في إثبات وطنيته أمام الجمهور أوّلاً، والقوى السياسية ثانياً. لكن السؤال ـــ وبعد أن يتخذ عبد المهدي خطوته ـــ سيكون موجّهاً في اتجاهات ثلاثة: الأول إلى النجف، والثاني إلى طهران، والثالث إلى واشنطن. ما هو موقف «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)؟ ومن ثم كيف ستتعامل دوائر القرار في طهران مع قرار عبد المهدي أيّاً كان؟ وهل ستتمكن من ضبط حلفائها؟ وهل واشنطن ـــ ومعها الرياض الناشطة حالياً في إعادة مدّ خطوطها مع الشرائح الاجتماعية العراقية ـــ سترضى بأن يكون العراق صاحب قرارٍ يملك الحد الأدنى من الاستقلالية، ويراعي مصالح الجيرة مع إيران، وحجمها، من دون أن يقود ذلك إلى «فتنة»؟