بينما تستكمل التحضيرات لعقد قمة جديدة في سوتشي الروسية منتصف الشهر الجاري، ضمن سلسلة لقاءات «أستانا»، تتشابك خيوط عدد من الملفات الساخنة على الساحة السورية، لا لتزيل غموض مرحلة «الانسحاب الأميركي» المفترض وما بعدها، بل لتطرح سلّة أسئلة جديدة تبدأ بـ«المنطقة الآمنة» ولا تنتهي عند «اللجنة الدستورية». الجولات الروسية المعتادة التي تسبق ــ عادة ــ لقاءات هامة وصلت أمس إلى طهران، لتتساوق مع بشارة تركية بقرب تشكيل «اللجنة الدستورية». ولم تكتف تركيا بزفّ تلك البُشرى، بل خرج رئيسها رجب طيب أردوغان ليؤكد أمس رفض بلاده تولّي «التحالف الدولي» إدارة «المنطقة الآمنة» المقترحة، ويكشف عن تواصل مباشر «على مستوى منخفض» بين مسؤولي بلاده ونظراء لهم في الحكومة السورية، ملمّحاً إلى أن هذا التواصل يحمل طابعاً استخباراتياً ــ أمنياً.إعلان أردوغان اللافت الذي يُراكم على تصريحات سابقة لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، لا يخرج عن سياقٍ برز في قمة موسكو الأخيرة بين الرئيسين التركي والروسي، حينما تصدّر الحديث عن «اتفاقية أضنة» الواجهة، بوصفها «آلية» يمكن البناء عليها لاستعادة التواصل والتنسيق بين أنقرة ودمشق. وهو سياق ترافق مع مساعٍ أميركية لرعاية حوار مباشر بين أنقرة و«مجلس سوريا الديموقراطية»، لم يُكشف الموقف التركي حيالها حتى الآن. غير أن أردوغان أعلن، في لقاء بثّته قناة «TRT» التركية الحكومية، موقفاً رافضاً لطرح أميركي (تسرّب عبر الإعلام) يقضي بتولّي «التحالف الدولي» مهمة إدارة «المنطقة الآمنة» المقترحة. وأكد أن بلاده يجب أن تكون مسؤولة عن إدارة الملف الأمني هناك، مشدداً على ضرورة استعمال وصف «المنطقة الآمنة... لا العازلة» أو أي تسميات أخرى. كذلك، ألمح الرئيس التركي إلى محاولات واشنطن «التسويف» في هذا الشأن، بالقول إن المهلة الأولى التي أُعطيت من قِبَلهم كانت 90 يوماً، ثم امتدّت إلى نحو 9 أشهر أو أكثر. وحدّد على خريطة لشمال سوريا، رافقته طول اللقاء، ما قال إنها «حدود المنطقة الآمنة» التي تريد بلاده إقامتها على طول الحدود بين نهري الفرات ودجلة، وبعرض قد يصل في بعض النقاط إلى 32 كيلومتراً.
زار مبعوثان حكوميان سوريان سلطات «إقليم كردستان» أخيراً


الكشف التركي عن تواصل مباشر مع دمشق تزامن مع حراك لافت تستضيفه أربيل، وتحديداً مسعود برزاني. فبعد زيارات متكررة لرئيس «تيار الغد السوري»، أحمد الجربا، استقبل الرئيس السابق لـ«إقليم شمال العراق» وفداً من «هيئة التفاوض» المعارضة، برئاسة نصر الحريري. الزيارة التي أتت في وقت حساس يتم فيه بحث مصير شمال شرقي سوريا على كل المستويات، ناقشت، وفق ما نُقل عن أعضاء الوفد المعارض، احتمال تحالف «بيشمركة روج آفا» (كردية) مع «قوات النخبة» (عربية) التي يديرها الجربا لضمان الأمن شرق الفرات، من دون «إقصاء قوات سوريا الديموقراطية». هذا الطرح كان خرج إلى العلن قبل أكثر من شهر، حينما أُعلن عن دخول دفعة من «بيشمركة روج آفا» من العراق إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، وفق ما أكدته الولايات المتحدة. واللافت أن زيارة «هيئة التفاوض» تزامنت مع معلومات خاصة بـ«الأخبار» تقول إن مبعوثَين حكوميين سوريين زارا سلطات «إقليم كردستان» أخيراً.
الحراك الذي تستضيفه أربيل واللقاءات المرتقبة لـ«مجموعة العمل المشتركة» الأميركية ــ التركية، كما قمة «أستانا»، كل ذلك يجمع خطوط التفاوض على ملفات إدلب وشرق الفرات و«اللجنة الدستورية»، ويرسم صورة أكثر شمولية لما قد تشهده المرحلة المقبلة. ولا يبدو التفاؤل التركي بالتقدم على مسار «اللجنة الدستورية» منفصلاً عن هذه السياقات، بل يظهر متكاملاً أيضاً مع ترتيب أوراق إدلب ومحيطها ومع التغييرات التي تطرأ على تشكيلة المعارضة السياسية. إذ توضح أوساط معارضة أن المرحلة المقبلة قد تشهد تراجعاً في الدور السعودي المشرف على «هيئة التفاوض» لمصلحة أنقرة، التي باتت تمسك أوراقاً عدة ميدانية وسياسية على طاولة «التسوية السورية». وينتظر أن يحمل تلاقي تلك المسارات تطورات لافتة على «مسار جنيف»، وهو ما لفتت إليه أوساط رسمية روسية، لا سيما أن المبعوث الأممي الجديد، غير بيدرسن، لا يزال «صامتاً» بعد جولاته الطويلة على مختلف الأطراف واللاعبين المؤثّرين.