سلفيت | في سجن «عوفر» غرب رام الله، يقبع 1200 أسير فلسطيني. باغتَتْهم قوات العدو أخيراً بسلسلة من عمليات التفتيش، بحجة البحث عن هواتف محمولة. قد تبدو هذه الإجراءات روتينية ومتكررة في السجون كافة، لكن المفاجأة كانت عندما اقتحم جنود من وحدتَي القمع، «نشحون» و«متسادا»، قسم 15، وهجموا على الأسرى بشكل عنيف، يومَي الـ20 والـ21 من الشهر الجاري. ردّ الأسرى بإحراق غرفتين داخل القسم، علماً أن إحراق الغرف أسلوب احتجاجي مُنظّم، يلجأ إليه الأسرى عند اقتحام وحدة «متسادا» للسجن.إدارة سجن «عوفر» لم تحاول امتصاص غضب الأسرى، ولم تُحسن قراءة المشهد، بل زجّت بوحدات عسكرية إضافية لمواجهة الأسرى العزّل داخل عدد من أقسام السجن، وهي وحدات «درور» و«أليماز»، مما أدّى إلى إصابة العشرات. العنف بحق الأسرى وثّقه «نادي الأسير»، الذي أعلن إصابة ستة بكسور، و40 بجروح في الرأس، حيث تركّز ضرب قوات القمع على الرؤوس، بينما توزّعت بقية الإصابات بين الرصاص المطاطي والغاز. وهو ما أكده الأسرى في «عوفر»، لافتين إلى أن ما نُشر عبر وسائل الإعلام يمثل 1% فقط من فظاعة القمع الذي نفّذته قوات العدو بحقهم.
بعد توسّع الاحتجاجات إلى معتقلَي «نفحة» و«جلبوع»، صعّد الأسرى من مواجهتهم، فأوقفوا الأعمال اليومية، إضافة إلى وقف التمثيل الاعتقالي، ما يعني أن لكل أسير حق اتخاذ قرار مواجهة السجّان وحده، من دون الالتزام بأي قرار تنظيمي أو من ممثلّيه القادة في السجن. بعد هذه الخطوات، استشعر العدو خطر التصعيد في السجون، فسارع إلى طلب جلسة حوار بين إدارة السجون والأسرى، إلا أن الأخيرين رفضوا واشترطوا عقد جلسة داخلية بين ممثلي الفصائل الفلسطينية لإدارة هذا الحوار مع العدو، وهو ما حصل.
في أعقاب لقاء إدارة السجون، توصّل ممثلو الأسرى إلى اتفاق مع الاحتلال، نصّ على إلغاء العقوبات المفروضة. فتراجع الاحتلال عن عقد محاكمات للأسرى في الغرف التي تم حرقها في أقسام 15 و11، ووافق على استكمال العلاجات للمصابين. حالياً، يفاوض الأسرى إدارة السجون لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الـ20 من الشهر الجاري، مقابل موافقة الأسرى على الخروج إلى «الفورة» (الساحة الخارجية للسجن)، وعدم إرجاع وجبات الطعام، ووقف اتخاذ أي خطوات نضالية تصعيدية أخرى، وحتى الآن لم تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة.

ما هي «القمعة»؟
تبدأ «القمعة» بإغلاق العدو الغرف على الأسرى، وقطع التيار الكهربائي عنهم. تتقدّم وحدات من القمع على شكل صفوف منتظمة كأنها تتحضر لاقتحام ضد مسلحين. يبدأ الجنود برش الغاز أو «البودرة» كما يسميها الأسرى داخل الغرف من خلال فتحات الأبواب. في هذه اللحظة، لا يملك الأسرى وسيلة للمواجهة سوى الطرق على الأبواب، ووضع فرشات الإسفنج في محاولة لغلق الفوهات، إلا أن هذه الخطوات لا تمنع انتشار الغاز. لحظات ويبدأ الأسرى بالاختناق والتساقط تباعاً.
يشرح أحد الأسرى المحرّرين، لـ«الأخبار»، طبيعة الغاز أو «البودرة»، ويقول إنه مختلف عن المُستعمَل خارج السجون وفي المواجهات اليومية في المحافظات الفلسطينية. تمتاز هذه «البودرة» بسرعة انتشارها وفاعليتها وتأثيرها الشديد على الرئتين والجلد، لدرجة أن أقسام السجن المقموعة تحتفظ ببقايا الغاز لأسابيع طويلة بعد انتهاء التصعيد. مضيفاً: «يسارع معظم الأسرى في الغرفة عند رشّ الجنود البودرة إلى الذهاب إلى المرحاض كملاذٍ أخير، حيث تنعدم التهوئة في كافة أرجاء الغرفة». بعدما يفقد الأسرى وعيهم، يقتحم جنود العدو الأبواب، ويطلقون الرصاص المطّاطي ورصاص «الفلفل» الذي يترك آثاراً كبيرة في الجسم، ثم يعتدون على الأسرى بالضرب باستخدام الهراوات وأحياناً الصواعق الكهربائية، قبل أن يقيّدوهم ويضعوهم في ساحة السجن.
تبدأ «القمعة» بإغلاق الزنازين وقطع التيار الكهربائي عنها


في الهجوم الأخير، أعاد الاحتلال استخدام الكلاب البوليسية التي تعتبر «مدرّبة وقوية وعدوانية للغاية». وكان قد توقف عن الاستعانة بهذه «الوحدة» بعد احتجاجات عنيفة رفضاً لها، قام بها الأسرى إبّان الانتفاضة الثانية، حيث كانت الكلاب تُدنّس زنازين الصلاة وغرفهم، فاكتفى العدو منذ ذلك الوقت بإبقائها خارج أقسام السجن، علماً أن عدد الكلاب العاملة في السجون بلغ أكثر من 500. وبحسب شهادات عدد من الأسرى حول عملية القمع الأخيرة داخل سجن «عوفر»، فقد أعاد العدو استخدام الكلاب، وهو ما يُعدّ «تجاوزاً لخط أحمر جديد، ويدل على تصعيد خطير في الهجمة الجديدة داخل السجون».
ويخسر الأسرى في «القمعة» كل ما يملكونه، سواء مذكراتهم أو الكتب أو الصور أو معدات الطبخ والملابس. ووفقاً لشهادات أسرى محررين، فإن «القمعة» يتلوها انتقام من بعض الأسرى الذين يُبدون مقاومة أكبر خلال الاعتداء، أو مِمَّن يعتبرهم العدو قيادات وأسرى نشطين داخل الأقسام المُقتحَمة. وفي اليوم الذي يلي القمع، تُلغى كافة زيارات الأسرى المفترضة.

ورقة انتخابية
في العام 2007، صعّدت قوات العدو من عمليات القمع والتنكيل بالأسرى في سجنَي النقب ونفحة. ردّ الأسرى بتنفيذ عمليات طعن فردية متتالية أجبرت العدو على وقف التنكيل. آنذاك، طعن الأسير خالد السيلاوي أحد سجّانيه في سجن «نفحة»، وبعد ساعات ضرب الأسير أحمد نصار أحد ضباط العدو بآلة حادة في وجهه. يُجمع أغلب الباحثين والأسرى المحررين على أن أحداث القمع الأخيرة في سجن «عوفر» هي الأعنف منذ عملية القمع داخل سجن النقب في العام 2007، حيث ارتقى آنذاك الشهيد الأسير محمد الأشقر بعدما أطلق جنود العدو النار عليه. «قمعة عوفر» أعادت ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو إلى الواجهة مجدداً. وبين «دوافع شخصية» و«كسر عظم»، يدرك الأسرى أن ما يجري بحقهم من تشديد للقمع هو محاولة استثمار معاناة الفلسطينيين كورقة انتخابية.