بات الرئيس السوداني، عمر البشير، يعلم أن حل الأزمات الاقتصادية، الخبز والنقود والوقود، وانتظار الدعم العربي، لن يوقف الاحتجاجات المستمرة منذ 40 يوماً، من دون أن يصحب ذلك خطوات تخفف الضغوط الدولية، وحدّة الاحتقان الشعبي الذي ولّده استخدام العنف المفرط، إذ أسفر عن سقوط ثلاثين قتيلاً بالرصاص الحي، وفق آخر إحصائية حكومية، فيما يقدر ناشطون وأحزاب معارضة العدد بخمسين.وفي ظل ضغوط غربية تحذر البشير من تأثير أعمال العنف في العلاقات معه، أعلن «جهاز الأمن» الإفراج عن جميع معتقلي الاحتجاجات الذين لم يذكر مدير الجهاز، صلاح عبد الله قوش، أي تفاصيل عن عددهم أو موعد إطلاق سراحهم. وسبق لوزير الداخلية، أحمد بلال، أن كشف قبل ثلاثة أسابيع أن عددهم 816، لكن المعارضة قدرت أنهم أكثر من ألف منذ بدء الاحتجاجات.
بشأن القتلى، الذين يتهم البشير بأنهم «مندسّون ومخرّبون» من عناصر في «الحزب الشيوعي» وحركة «جيش تحرير السودان» تسللوا بين صفوف المتظاهرين لضرب استقرار وأمن البلاد تنفيذاً لأوامر «جهات وسفارات»، استجوبت النيابة العامة عدداً إضافياً من الشهود وأهالي القتلى في إطار التحقيقات. كما وجهت النيابة بـ«عدم تعقب المواطنين داخل الأزقة والمنازل أثناء فض الاحتجاجات»، مستثنية «حدوث تصرفات فردية تخالف القانون تستوجب التعامل معها».
لكن الاحتجاجات التي بدأت تأخذ طابعاً سياسياً في الآونة الأخيرة أكثر من كونها اقتصادية، مع تبلور رؤية المعارضة واتحادها على شعار «إسقاط النظام» خلف «تجمع المهنيين» المستقل، لا تبدو قابلة للإخماد بالنظر إلى البرامج التي ينظمها التجمع للتجمهر والاعتصام. واستجابة لدعوات التجمع، الذي لا يوجد في البلاد سوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظاهر مئات المواطنين أمس في «مواكب الشهداء»، في أحياء بري شرق الخرطوم، والكلاكلة وجبرة جنوب العاصمة، إضافة إلى حي بانت في مدينة أم درمان (غرب العاصمة)، المحطة الوسطى في مدينة بحري.
يسعى البشير إلى حشد دعم روسي وصيني لمواجهة «التآمر» على البلاد


وفي حي بري، فرقت قوات الأمن عشرات المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع، ما أجبر المحتجين على التراجع قبل أن يتحولوا إلى حالة كر وفر مع القوات، كما انتشر الأمن في الشوارع الرئيسية في أم درمان غرب العاصمة، حيث شهد شارعا الموردة والأربعين حالة كر وفر بين المتظاهرين والأمن الذي اعتقل عدداً من المحتجين، مرة جديدة، كما ذكرت وكالة «الأناضول» التركية. كذلك، خرجت تظاهرات في أحياء شمبات شمال الخرطوم، والحاج يوسف في مدينة بحري. وبالتزامن مع «مواكب الشهداء»، اعتصم الآلاف في ميدان «شهداء البجة»، في حي ديم العرب، في مدينة بورتسودان، أكبر مدن شرق البلاد، إحياءً للذكرى الـ14 «لشهداء المدينة» الـ22، الذين سقطوا في صدامات دامية مع الشرطة والأمن في ما سميت «مجزرة بورتسودان» عام 2005.
وسط الاحتجاجات المتواصلة، يستغل البشير موقع السودان الجغرافي لتوسيع دائرة الدعم الخارجي الذي تمكن من كسبه بالتحذير من الفوضى في «بوابة أفريقيا» المطلة على البحر الأحمر وباب المندب. فإلى جانب تركيا وقطر والكويت والبحرين ومصر، والسعودية التي جددت دعمها له خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، يسعى البشير إلى حشد دعم دولي، ولا سيما من موسكو التي أقرت بوجود «مدربين» روس إلى جانب القوات الحكومية، أول من أمس، والصين، الشريك الإستراتيجي الأول للسودان في مجال النفط والغاز والاستثمارات التي تبلغ قيمتها 14 مليار دولار.
في ضوء ذلك، التقى مساعد البشير، فيصل حسن إبراهيم، وزير خارجية الصين، وانغ يي، أول من أمس، في العاصمة بكين، حيث قدم شرحاً للأوضاع في البلاد. ونقلت «وكالة الأنباء السودانية» (سونا) عن وانغ تأكيده «وقوف بلاده حكومة وشعباً مع السودان للخروج من الأوضاع الحالية».